
















اهلا الدّروز والمحنة 2025
من هم الدروز ؟!
لقد شهد العالم بأسره التّجاوزات الغير أخلاقيّة والوحشيّة الّتي تعرّضت لها طائفة الموحدّين الدّروز في جبل العرب، جبل سلطان باشا الأطرش، جبل السّويداء الّذي تعيش فيه هذه المجموعة بسلام وطمأنينة ومحبّة مع كلّ من يجاورها! هذه التّجاوزات يندى لها الجبين، وتحبس الأنفاس في الصّدور لفظاعتها وبشاعتها! في خضمّ كلّ هذا الوجع، علت أصوات تكفّر الدّروز، وتتّهمهم بالعمالة والخيانة!
لقد ثارت ثائرتنا نحن الموحّدون في كلّ مكان في العالم، وفي إسرائيل خاصّة، وصرختنا كانت مدوّية مندّدة هذه الأعمال الوحشيّة الّتي لا يقدم عليها إلّا من بلغت به الخسّة والحقارة والحقد وحبّ الدّماء مبلغا يعجز العقل البشريّ عن استيعابه! حتّى الحيوان يخجل من هذه الأفعال الدّنيئة والخسيسة. في هذا المقال القصير سوف أقف على مواجع طائفة مسالمة محبّة لا تطمح إلّا في العيش بكرامة وأمان.
سمّي "الدّروز" بهذا الاسم نسبة إلى "نشتكين الدَّرَزي"، وهو شخصيّة منبوذة مكروهة لدى طائفة الموحّدين، لذا نعتبر هذا الاسم عارا. أمّا اسمنا الحقيقيّ فهو: "الموحدّون"، أو بنو معروف". نرفض تسميتنا دروزا، لانّ "نشتكين الدّرَزي" حرّف كتب الحكمة، وحشّاها برسائل تسيء لطائفة الموحّدين، بهدف زرع الفتنة بينهم وبين غيرهم. لهذا يخفي الموحّدون كتبهم حفاظا على أواصر المودّة والتّآخي والمحبّة مع كافّة الطّوائف. فالموحّدون يؤمنون بجميع الدّيانات، ويعترفون بجميع الأنبياء.
طائفة الموحّدين، هم الإسلام الحقيقيّون من منطلق عقيدة: "الرّضا والتّسليم". فالمسلم هو الّذي يسلّم أموره للباري تعالى غير معترض ولا مستنكر مشيئته، خيرا كانت أم شرّا. وصبر أهلنا في السّويداء على هذه المحنة، خير دليل على التّسليم بقضاء الله وحكمه! لم تضعف عزيمتهم؛ لأنّهم يؤمنون بأنّه لا يتحرّك ساكن إلّا بإرادة ربّ العالمين، ولا يموت منهم إلّا من دنت ساعته، وكلّ شيء يأتي من عند الله - عزّ وجلّ- لا بدّ أنّه يحمل الخير في النّهاية.
عدد الموحّدين في العالم لا يزيد ولا ينقص. فمن مات منّا سيولد غدا. والتّقمص ظاهرة منتشرة ومعروفة لدى طوائف وملل كثيرة في هذا العالم، وليس عند الموحّدين فقط. يعرفونها ويعترفون بها، لكنّهم لا يؤمنون بها وهنا المفارقة! فعندما يعالج الطّبيب النّفسيّ مريضه يقوم بتنويمه مغناطيسيّا، فيعيده إلى أجيال سابقة، يرى نفسه فيها كشريط يمرّ أمام عينيه. أليس في هذا إقرار بوجود حيوات سابقة للإنسان؟! هناك قصّة يرويها الدّكتور نادر بُطّو من النّاصرة، صاحب نظرّيّة "الطّبّ الشّمولي"، فقد نوّم نفسه مغناطيسيّا، وعاد بذاكرته إلى أجيال سابقة، فعرف نفسه في ثلاثة أجيال. كان في أحده كاهنا يهوديّا من العراق، وكان كاتبا أيضا. بحث عن مؤلّفه في المكتبات العراقيّة، ووجد الكتاب الّذي خطّه بقلمه في ذلك الجيل، وأحضره في جيله هذا!
نعود لمسالة التّكفير. في خضمّ محنة السّويداء، علت أصوات تكفّر "الدّروز"، وتتّهمهم بالعمالة والخيانة! والحقيقة الّتي لا يريدون الاعتراف بها، أنّ الموحّدين يخلصون للمكان الجغرافي الّذي ينتمون إليه، ويدافعون عنه بكلّ الوسائل الممكنة. فالموحّدون في سوريا وفي الأردن وفي إسرائيل وفي كلّ مكان في العالم، يكنّون الولاء لدولتهم. ثمّ إنّ العمالة تتمّ في الخفاء تحت راية الكذب والتّخفّي والتّستّر؛ أما نحن، فنعلن انتماءنا صريحا واضحا على الملأ في كلّ مكان نقطن فيه، دون تستّر؛ لأنّنا نخشى الله وحده ولا نخشى عبيدا مثلنا. فمن خشي عبدا مثله؛ أنزله منزلة الألوهيّة، وهذا ما لا نقبله ولا نرضى به!
لقد اتّهم موحدو السّويداء بالخيانة، بسبب احتمائهم "بالعلم الأزرق" كما يسمّونه. "العلم الأزرق" الّذي لولاه لأبيد الموحّدون ولم يبق منهم أحد. قام العلم الأزرق بصدّ العدوان البربريّ الّذي نفّذته فصائل الأمن العام، بدعم من الحكومة الانتقاليّة الممثّلة بأحمد الشّرع، وقبائل البدو الّذين يعيشون بالقرب منهم. هذا العدوان، لم يشهد العالم مثل وحشيّته من قبل! لقد انقضّ منفّذو هذه الجرائم على المشايخ وكبار السّنّ والمقعدين يحلقون لهم شواربهم، وينكّلون بهم ليذلّوهم. كما قتلوا الأطفال وسبوا النّساء واغتصبوهنّ، ثمّ ذُبح الرّجال كما تذبح النّعاج دون رحمة ودون مخافة من الله، ولم يكتفوا بذلك، بل حرقوا النّاس أحياء، وأضرموا النّار في بيوتهم، ودمّروا كلّ شيء فيها، وحرقت بساتينهم، وسرق متاعهم، حتّى الطّيور والدّواجن لم تسلم منهم... هذه الصّور والمشاهد المؤلمة أثارت الغضب والاستياء، ففار الدّم في العروق؛ وناشد الموحّدون العالم بالتّدخّل الفوري من أجل صدّ العدوان عنهم؛ لكنّ العالم وقف صامتا! فاضطرّ الموحّدون في إسرائيل إلى طلب الحماية من دولتهم لإنقاذ من تبقّى من إخوتهم، ولبّت الأخيرة نداء الآلاف الّذين أغلقوا شوارع البلاد، وقسم منهم اجتاز الشّريط الأمني من أجل الدّفاع عن أهلنا في السّويداء.
أعترف أنّني قبل هذه المجزرة، لم تعنيني الأمور السّياسيّة قطعا، ولم أتدخّل فيها. فقد فتحت بيتي أمام الجميع، وأقمت الأمسيات الثّقافيّة التّي جمعت بين كلّ أفراد المجتمع، كما دعوت إلى المحبّة والتّآخي والتّسامح؛ لكن بعد الّذي حدث، ذهلت من مقدار الحقد الّذي يكنّه البعض للموحّدين، وأخصّ بالذّكر أولئك الّذين لم يستنكروا الأعمال الوحشيّة؛ بل وقفوا يراقبونها بشماتة...! والمرعب في الأمر، أنّه لم يرفّ جفن للكثيرين إبّان هذه المجازر، بل غضبوا من طلب الحماية من إسرائيل...! أكاد لا أصدّق...! كيف يصبح المقتول مذنبا، وكيف أنّ العين الّتي رأت العلم، لم تر مشاهد الذّبح والقتل والاغتصاب...!
لا أستطيع أن أنكر بأنّ هناك من استنكر وأدان هذه المجازر الوحشيّة، واعتبرها لا تمثل الإسلام الحقيقيّ، ولا تمتّ له بصلة.
لقد تألّمنا كثيرا لأنّنا طائفة مسالمة، ويعرف الجميع أنّ الموحّدين لا يعتدون على أحد، ولا يؤذون أحدا. بيوتهم مشرّعة للضّيوف، وللمحتاجين، يذودون عن المستجير بدمائهم، ينبذون القتل ويعتبرونه من الكبائر. فالقاتل يحرم من دينه مدى الحياة، ولا يحق له حضور المجلس الدّيني؛ بل يعدّ له طقس خاص به للصّلاة، لأنّ الله حرّم القتل بكلّ أنواعه.
لقد ولدت بعد قيام دولة إسرائيل، أعترف من خلال تجربتي الشّخصيّة، أنّني لم أر منهم إلا المعروف والأخلاق في التّعامل، هذا على الصّعيد الشّخصيّ. أمّا على الصّعيد العام، فنحن نمارس طقوسنا الدّينيّة دون وجل أو مساترة، والأهم، أنّهم لا يعتدون على أعراضنا، ولا يجبروننا على اعتناق ديانتهم. بل ينعم الجميع بالدّيمقراطيّة. فكيف نردّ لهم الجميل بالخيانة، والمعروف بالجحد، والحسنى بالقبيح؟! ونحن لا نخون من أحبنا وأكرمنا! هناك من يرى الحياة من منظاره الضّيّق، أمّا رؤيتنا فأكثر اتّساعا وشموليّة. الإنسان يعيش على هذه الأرض، وهي ليست ملكه، ولا يختار البلاد الّتي سيولد فيها، يأتي إليها بمفرده، ويبرحها وحيدا بخفيّ حنين؛ فلماذا لا يعيش أيامه بسلام ومحبّة مع من حوله ؟! لماذا الحقد والكراهية!؟ نحن لا نحقد ولا نكره، ولا نتدخّل في شؤون غيرنا، ولا نسعى لتغيير أحد...!
أمّا مسالة التّكفير الدّيني فهي قصّة مروّعة أخرى! فقام هؤلاء المرتزقة - والّذين لا يمتّون للإسلام بصلة – بالدّعوة للجهاد وقتل الموحدّين بحجّة أنّهم كفّار...! كانوا يصيحون "الله أكبر" ويذبحون ويقتلون باسم الله! ومن كان بلا عقل وبلا دين، تبعهم وسار على خطاهم...!
حتّى لو اعتُبِرنا كفارا من باب الفرض، من أنت أيّها القاتل السّفّاح لتحاسبنا؟! من أعطاك الشّرعيّة في فرض دينك ورأيك على الآخرين؟! وهل ربّنا العظيم بحاجة لعبد خسيس مخبول كي يدافع عنه ويقاتل من أجله ؟! كيف لعبد أن يضع ربّ العالمين موضع العجز وطلب الحماية من العبد الّذي خلقه ؟! أليس هذا الكفر بعينه؟! وهل خالق الكون اختار هذه الحثالة عوضا عن دون خلقه للذّود عنه؟! إنّه الكفر بعينه، حين ينزلون الخالق منزلة وضيعة يحتاج فيها إلى قتلة وسفّاحين، بلا عقل وبلا دين كي يحموه...! وممّن...!؟ من الموحدّين...!من أشرف الخلق، وأطهر من وطئ الأرض بقدم... حاشا ربّ العباد أن يرفق اسمه باسم هذه الحثالة، وحاشا أن ينزل دينا نجسا يلطّخ به الكون... هذا ليس إسلاما حتما... قال الله في كلّ كتبه السّماوية: "لا تقتل"... "لا نزنِ"... "لا تسرق"... "لا تكذب"... فقتلوا، وزنوا، وسرقوا... وكذبوا، حين ادّعوا بهتانا أنّ الله أمرهم بالقتل في سبيله...!
أمّا نحن فمختلفون عن الإسلام، ومتشابهون في أمور كثيرة أيضا! مختلفون في أمور جوهريّة سنفصلها هنا، وأبداها بفريضة الصّلاة: فنحن لا نصلّي خمسا بل يبقى ذكر الله على لسان الموحّد ليلا ونهارا، في كلّ لحظة وفي كلّ ثانية؛ فلا يغفل عن مناجاة الباري لحظة واحدة.
الصّوم: في مفهومنا، يكون الموحّد في حالة صوم مستديمة. فعلى المرء أن يكون عفيف النّفس، غير جشع، يأكل القليل ومن نوع واحد فقط من أجل الحفاظ على الكبد، ثمّ لا يشرب أثناء تناول الأكل، حتّى لا يفسد عصارة المعدة، ثمّ يختار من الطّعام ما يسدّ رمقه ويحفظ صحته بعيدا عن الشّراهة والجشع. والصّوم الحقيقيّ هو صوم النّفس عما يغضب الله من أفعال وأقوال. وأفكار توقع العبد في الذّنوب.
أمّا بالنسبة لأمور الزّواج والطّلاق، هناك اختلاف جوهريّ: فعقيدة التّوحيد تلزم الموحّد بالزّواج من امرأة واحدة، وعن رضا واختيار ودون إكراه من ولي الأمر، لأنّ الزّواج يبنى على المحبّة، وغير ذلك يجعل نسلهما غير صالح! لا يصحّ للزّوجين العيش تحت سقف واحد إذا لم تجمعهما المحبّة الخالصة، ويكون زواجهما رباطا مقدّسا طاهرا عفيفا هدفه الاستمراريّة في الحياة وليس من أجل المتعة!
على الزّوج أن يساوي امرأته بنفسه، وأن يفضّلها عن الجميع. ولها الحقّ في طلب العلم، ولها حرّيّة طلب الطّلاق إذا قصّر الزّوج في الأمور الزوجية المشروعة! لا يجوز ردّ المطلّقة بتاتا؛ فإذا حدث ذلك، يعتبر نسلهما بعد ردّها أولاد زنا! ونحن لا نعترف بأي زواج مبني على المتعة، والزّواج ليس نصف الدّين، فمن يمنع نفسه من هذه الشّهوة يسمو إلى منزلة الملائكة والأولياء الصّالحين!
أمّا عن الكتب الدّينيّة الّتي سرقت من البيوت، وتمّ نشرها على صفحات التّواصل، فكما ذكرت سابقا، هي رسائل كتبت على يد البعض، وقسم منها حرّفه المدعو نشتكين الدَّرَزي؛ كي يثير الفتنة. أمّا كتب الحكمة عندنا فتحفظ عن ظهر قلب، يتناقلها الموحّدون عبر الأجيال، تحفظ وتدرّس غيبا من المشايخ الكبار للصّغار، عمادها الحكمة المستوحاة من علوم الفلاسفة والحكماء والعقّال الّذين جاءوا بالمعرفة إلى هذا الكون، أمثال سقراط وأرسطو وفيثاغورس وغيرهم. وتعالج الحكمة المنقولة مواضيع شتّى كالعلوم الإنسانية، ونشأة الكون والعلوم الرّوحانية الّتي تقرّب العبد من خالقه، ومن أخيه الإنسان.
عقيدة التوحيد ترى أنّ الإنسان خلق للعبادة فقط، وليس لأيّ هدف آخر! لا للزّواج ولا للتّكاثر ولا من أجل المتعة. وعليه أن يعتبر الدّنيا الفانية دار ممرّ لا دار مقرّ، وأنّ الدّنيا لا تغني عن الآخرة، والموت حقّ على الكبير والصّغير، لأنّ الخلود للباري تعالى عزّ وجلّ. فلا يتمسّك في متاع الدّنيا وملذّاتها، ولا يغترّ بها ولا يتّبع أهواءه. فعليه قهر النّفس الأمّارة بالسّوء... وهذا الجسد الّذي نلبسه ما هو إلّا رداء للّنفس، يبين مزاياها وصفاتها من خلال سماتها الظّاهرة للعين، فلا عجب إذا عرفت الحقود من نظراته، والسّموح من وجهه، والمتسرّع من لغة جسده...! هذه هي الرّسالة العظيمة الّتي يسعى إليها الموحّد خلال رحلته على الأرض ليرقى بالنفس إلى منزلة الكمال، لمنزلة النّفس الشّفيعة الطّاهرة المحبّة النّقيّة، الخالية من الشّوائب، الّتي تترفّع عن مساوئ البشر لترقى إلى العالم النوراني؛ فتشعّ محبّة للعالم... والعالم لا يقوم إلّا على المحبّة، ولا حياة على الأرض في بيئة يسودها الحقد، وتعمّها الكراهية؛ لأنّ مصيرها الهلاك عاجلا أم آجلا...!
ختاما، ندعو الله أن يعيد الرّشد إلى عباده الضّالّين، وأن يضع الحكمة في رؤوسهم والرّحمة في قلوبهم، وأن يهتموا في شؤونهم الخاصّة "ويتركوا النّاس بحالها... زهقنا عنجد... زهقنا النّفوس المريضة... قرفنا...افرقونا عاد...حلّوا عنّا ..."!!!
بقلم
الكاتبة أمال أبو فارس