اهلا

اعراسنا بين بساطة الفرح والمبالغة (1)
مازن سليم نحاس

هذا المقال هذا لا يخص أفراحا محددة أو بلدا معينا وإنما أطرحه بشكل عام.
وبما أنى فرد من هذا المجتمع فأي انتقاد له يكون انتقادا ذاتيا أيضا.
مجتمعنا العربي دينامي متغير بتغير الظروف وبتطور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح منفتحا على المجتمعات الاخرى. يكتسب، يقلد، ويحاكي ما يراه مناسبا وأحيانا غير مناسب وبدون اكتراث، متأثرا جدا بما يراه على وسائل التواصل الاجتماعي، من الطبيعي أن تكون عاداتنا الاجتماعية وليدة هذا الانفتاح وانعكاسا لما يوثر اراديا أو غير اراديا بتأثير الميديا. التغيرات تطال كل جوانب مجتمعنا تؤثر بالأفراد، الأعمال، الاقتصاد والموارد والظروف الحياتية، وأصبح المجتمع العربي يفرض على نفسه قسرا عادات وقيم الاجتماعية مكتسبة يتبناها بطريقة أو بأخرى من مجتمعات أخرى فتصبح جزئا من تقاليده أو عاداته ناسيا أو متناسيا تراثه وتراث أجداده. وفي كثير من الأحيان تتناقض مع قناعات الافراد وظروفهم الحياتية. وبما أنه ليس كل تغيير هو إيجابي لذلك رأيت من المناسب أن اتطرق الى بعض الامور الاجتماعية الدخيلة أو المتغيرة أو المتبناة التي بدأنا نكتسبها أو نفرضها على أنفسنا بجميع المجالات والتي تؤثر سلبا في حياتنا الاجتماعية المختلفة وبأغلب الاحيان بدون تفكير عميق بالنتائج والعواقب.

منذ القدم، ارتبطت الأعراس والافراح في الثقافة العربية بمظاهر الكرم والاحتفاء الجماعي، حيث كانت العائلات والجيران يتشاركون في تجهيز الحفل وإعداد الولائم. وتميز الحفل ببساطته وعفويته وملائمته لطبيعة الناس والمجتمع. وكانت تُعدّ الأعراس في المجتمع العربي من أهم المناسبات الاجتماعية التي تجمع العائلة والأصدقاء، وتعكس قيم التضامن، التواضع والتكافل. هذه المناسبة التي يُفترض أن تكون مصدرًا للبهجة تحوّلت في كثير من الأحيان إلى عبء مالي وضغط اجتماعي كبير، يثقل كاهل العائلات والشباب والشابات المقبلين على الزواج. وأفرزت العديد من التحديات الاجتماعية، الاقتصادية والنفسية على الأفراد والعائلات.
بفعل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الدخيلة، اتخذت الأعراس طابعًا أكثر فردية وتكلفًا، لتتحول إلى وسيلة لإظهار المكانة الاجتماعية. وأصبح الفرح ساحة سباق للمظاهر، واستعراضًا للقوة المالية، واستغلالا للمناسبة ومعيارًا للمكانة الاجتماعية، يقاس بحجم الإنفاق والبذخ. وأصبحت الأعراس العربية تشهد مظاهر إسراف ومنافسة في المظاهر؛ من قاعات فخمة، ولائم باهظة، ملابس بتكاليف خيالية، ناهيك عن حفلات تمتدّ لعدة أيام: تعاليل، سهرة عروس، زيانة عريس وسهرة ما بعد الاكليل. عدا عن حفلات العزوبية والحناء وغيرها. دون الأخذ بالاعتبار الجهد النفسي والاقتصادي الذي يضطر الاهل والمدعوون من أقارب أو غيرهم الى بذله.
كثير من العائلات باتت تقترض الأموال لإقامة أعراس "تليق "بالمكانة الاجتماعية" فالعرس الذي كان يجمع القلوب صار يجمع الأرقام: أرقامًا للمديونية، وأرقامًا للمصروفات، وأرقامًا تحكمها المقارنات مع أعراس أخرى. يبدأ الفرح بالقلق وينتهي بالقلق من الدَّين. وأصبح مقياس نجاح الفرح يقاس بعدد الأطباق على المائدة، أو بارتفاع سعر وجبة العشاء، أو مبلغ الانفاق المالي على حجز قاعات فخمة أو كمية الورد التي مصيرها سلة المهملات بنهاية العرس وطاولات الفواكه والحلويات وزينة البيت والقاعة وزينة الكنائس ولم يعد بلاط ارض الكنيسة يصلح لسير العرسان عليه مع العلم أن كنائسنا جميلة بدون إضافة زينة ناهيك عن استقدام فرق موسيقية ومطربين بأسعار أصبحت خيالية لليلة واحدة ويا ليتها ليلة انما سويعات قليلة.
هذه الظواهر والعادات التي نشهدها اليوم في أفراحنا لها الكثير من الآثار الاقتصادية والاجتماعية وأصبحت العادات سلاسل تقيّد العائلات والعرسان لسنين طويلة، وتجبرها على التنافس في حفلٍ لا يشبه قدراتها وأحيانا لا يشبه قناعاتها ولا يعبر عن المكانة الاجتماعية التي يمكن ان تكتسب بطرق اخرى وبأقل كلفة.
وأغربّ ما في الأمر أن الكثيرين يعرفون ذلك… لكنهم لا يجرؤون على كسر الحلقة.
انتهى الجزء الأول/يتبع