
















اهلا-بقلم رودريج خوري إكرام العذراء، بين لبنان وروسيا .
يُكرِم لبنان والدة الاله بشكل مميز، اذ لا تكاد تخلو قرية فيه من كنيسة او مزار لها.
معظم اديار الروم الارثوذكس مثلاً، في لبنان، مكرسة على اسم والدة الاله. بدءً من دير سيدة البلمند البطريركي، وفيه مقر البطريركية الانطاكية الصيفي، مروراً بدير سيدة حماطوره في الوادي المقدس، ودير سيدة النورية المطل على البحر ، ودير سيدة كفتون في الكوره ودير سيدة الناطور في انفه ودير سيدة الدخول في الاشرفية .
لدى الموارنة ايضاً مزار سيدة حريصا (سيدة لبنان)الشهير المطل على خليج جونيه الرائع (الذي دشن عام ١٩٠٨) والذي اصبح احد اهم المعالم السياحية والدينية اللبنانية المعروفة عالمياً، اضافة الى مزار ام المراحم في مزياره، وسيدة الحصن في اهدن المبنية عام ١٧٠٥ على انقاض معبد وثني قديم والمطلة على مناظر طبيعية خلابة.
اضافة لذلك فإن المقر القديم للبطريركية المارونية في ميفوق، كان يسمى بسيدة ايليج، كما تعتبر اقدم ايقونة مارونية متبقية الى الان منذ القرن العاشر هي ايقونة للعذراء تعرف بسيدة ايليج، وهي لا تزال الى اليوم شاهدة على اكرام الموارنة القديم لوالدة الاله، وعلى النمط الخاص للايقونة السريانية المارونية.
ما يعرفه قلائل ايضاً، ان مقر البطريركية المارونية الحالي في بكركي هو دير يسمى "دير سيدة بكركي" ذلك انه قام على كنيسة بناها الشيخ خطار الخازن على اسم السيدة العذراء (سيدة البشوشة) في اواخر القرن السابع عشر ، في أملاكه الكائنة في محلة بكركي.
هذا وان اقدم كنيسة بنيت في مدينة زحله كرست على اسم والدة الاله بحسب المؤرخ عيسى اسكندر المعلوف، وهي المعروفة بسيدة الزلزلة الشهيرة التي يعزو اليها سكان المدينة نجاتهم من زلزال العام ١٧٥٩ المدمر.
اضافة لذلك نذكر في الجنوب مزار سيدة المنطرة في مغدوشة شرق صيدا للروم الكاثوليك، حيث هناك مغارة يقال ان العذراء كانت تمر بها اثناء زيارات يسوع الى نواحي صور وصيدا، وهي زيارات اتى الانجيل على ذكرها: "ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ." (مت 15: 21)."
كذلك فإن بعض الايقونات العجائبية لوالدة الاله في لبنان اصبحت ذات شهرة كبيرة، نذكر منها ايقونة السيدة في اميون التي لا يتوقف الزيت العجائبي عن النضوح منها، وايقونة سيدة بحمدون المعروفة ب"ام النعم السريعة الاستجابة" التي ظهرت على شاطئ البحر بالقرب من كورنثوس سنة 1147م وفي سنة 1554م نقلت إلى إنطاكية وسنة 1857م نقلها غبطة البطريرك "أيروثيوس" إلى بحمدون. وهي التي صلى أمامها البطريرك غريغوريوس الرابع يوم مرضه المشهور في عينيه وظهرت له يومئذٍ وشفته، كما شفت السيد ناصيف كرم والد مطران جبل لبنان الاسبق ايليا كرم من الفالج ، ولذلك احبها المطران ايليا كرم واكرمها كثيراً .
كما اشتهرت في لبنان ايضاً ايقونة سيدة كفتون التي تعود للقرن الثالث عشر وهي مرسومة على الجهتين وعليها كتابات باليونانية والعربية والسريانية. اضافة الى الايقونتين العجائبيتين لسيدة البلمند وسيدة حماطورة الشهيرتين.
الى ذلك ، وتعبيراً عن حبهم للعذراء ، كان الكثير من مسيحيي لبنان ينذرون ان يعمّدوا اولادهم حصراً في دير سيدة صيدنايا المكرس ايضاً لوالدة الاله والذي يحتفل بعيده يوم مولدها.
لعل لبنان ايضاً هو الدولة الوحيدة في العالم التي اقرت عيد بشارة العذراء يوم عطلة رسمي، يحتفل فيه المسلمون والمسيحيون على السواء ويتشاركون في اكرام مريم، يضاف الى ذلك ان عيد رقاد السيدة ايضاً في لبنان هو يوم عطلة رسمية.
****
اكرام الروس كذلك لوالدة الاله كان ولا يزال استثنائياً.
يحتفل الروس كل عام في الرابع عشر من تشرين الاول بعيد ستر والدة الاله ، وهو عيد كبير في روسيا ، يجدد الروس فيه ايمانهم بأن والدة الاله تبسط سترها فوق روسيا لتحميها ، كما انها بهذا الستر توحد شعب روسيا بقومياته العديدة وتجمعهم الى حضنها .
هذا وقد حملت العديد من المدن الروسية اسماء مرتبطة بوالدة الاله . فمدينة "پكروف" مثلا في منطقة فلاديمير يعني اسمها بالروسية "ستر" والدة الاله، ومثلها مدينة "پكروفسك" في دونيتسك، وپكروفسك اخرى ايضاً في ياكوتيا في الشرق الاقصى، وشارع "پكروفكا" الشهير في مدينة موسكو.
كذلك هناك مدينة "بوغورودسك" في مقاطعة نيجني نوفغورود ، ويعني اسمها مدينة "والدة الاله" . ومثلها "بوغوروديتسك" في مقاطعة تولا.
هناك ايضاً في منطقة كراسندار الجنوبية مدينة تدعى "اوسبنسك" ، و يعني اسمها "رقاد السيدة" ، ومثلها مدينة "اوسبنكا" في دونيتسك ايضا.
كذلك اشتهرت مؤخراً خلال العملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا مدينة "ماريوبول" ، والتي يعني اسمها باليونانية القديمة "مدينة مريم".
اضافة لذلك ، فإن أشهر كنائس الكرملين في موسكو هي "كنيسة رقاد السيدة" التي بنيت عام ١٤٧٩ والتي كان القياصرة يتوجون فيها .
كذلك لا اظن ان احداً لا يعرف الكنيسة الشهيرة في الساحة الحمراء ذات القبب المتعددة الالوان، والتي اصبحت رمزاً لموسكو : اما اسم هذه الكنيسة الحقيقي فهو : ستر والدة الاله، وقد بناها القيصر ايفان الرهيب عام ١٥٦١ عربون شكر على انتصاره وضمه مدينة قازان.
على مدخل الساحة الحمراء كذلك كنيسة صغيرة تسمى كنيسة ايقونة سيدة ايفيرون، او البوابة، وهي عبارة عن بوابة الكرملين التي كان على جميع القياصرة ان يترجلوا من موكبهم ويركعوا امامها كلما ارادوا الدخول الى مقرهم في الكرملين.
في سياق متصل ، اكرم الروس كذلك ايقونات والدة الاله التي ارتبطت بشكل او بآخر بتاريخهم.
فمدينة فلاديمير مثلا اكرمت ايقونة العذراء الحنونة التي اصبحت بسببها تعرف في العالم كله بايقونة سيدة فلاديمير ، وقد نقلت هذه الايقونة من فلاديمير الى موسكو لتحميها من غزوة تامرلان عام ١٣٩٥، واستقبلها سكان المدينة جميعا مع اميرهم آنذاك استقبال الملوك، وفي المنطقة التي التقوا فيها بالوفد الاتي من فلاديمير حاملاً الايقونة العجائبية، بنوا احد اشهر اديار موسكو ، المعروف بدير سريتنسكي (اللقاء) تخليداً لهذه الحادثة .
كذلك دير دنسكوي التاريخي في موسكو هو الاخر بني على شرف ايقونة سيدة الدون التي رسمها ثيوفانيس الرومي ، وتقول الاخبار المتناقلة ان الامير دميتري دنسكوي اخذ هذه الايقونة معه الى معركة كوليكوفو عام ١٣٨٠ التي اعتبرت حاسمة في مسيرة تحرر روسيا من الاحتلال المغولي.
هذا وقد اكرم سكان مدينة نوفغورود ايقونة السيدة المعروفة بالارحب من السماوات ، وكانوا يرفعونها على اسوار مدينتهم كلما تعرضوا لهجوم ما .
اما ايقونة سيدة قازان فقد ارجع الروس اليها انتصاراتهم في حروبهم للتحرر من الاحتلال البولوني عام ١٦١٢، حيث صلوا وصاموا امامها ثلاثة ايام قبل شنهم الهجوم النهائي على القوات البولونية التي كانت تحتل الكرملين آنذاك.
كذلك يرجع الجنرال كوتوزوف انتصاره على نابوليون عام ١٨١٢ الى صلاته مع جنوده امام هذه الايقونة عشية معركة فيازما التي قررت مصير الحرب ، كما رفعها الكثير من المقاومين اثناء مقاومة الغزو النازي عام ١٩٤١ ، وتقول ابنة المارشال جوكوف الذي يعود اليه الفضل في هزيمة هتلر ان والدها كان يحمل الايقونة معه الى الجبهة.
اما حارس ستالين الشخصي فيقول ان ستالين نفسه كان يحتفظ بنسخة منها ، كما كان يصلي وحده في كنيسة ميلاد السيدة الداخلية في قصر الكرملين الكبير ، بحسب ما ينقل عنه "باڤل بابيدونوستسيف" في كتابه "ستالين والكنيسة".