اهلا-جورج مناريوس كلمة الله "يسوع المسيح " مولود غير مخلوق ابن الله الوحيد . ما هو معنى هذه الصفات اللاهوتية ليسوع المسيح بحسب الايمان المسيحي ؟ استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ ahlanweb@gmail.com
يبدأ القديس يوحنا الحبيب انجيله بالحديث عن سرمدية
" الكلمة" حيث قال : " فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ.كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ." ( يوحنا 1)
الله القدوس سرمدي، اي ازلي و ابدي في نفس الوقت، حيث ليس له بداية ولا نهاية و بذلك من الطبيعي ان تكون كل طبيعته وصفاته سرمدية مثله، ككلمته و روحه القدوس .
فلم يكن هناك وقت من الأوقات موجود فيها الله بدون طبيعته وصفاته الأزلية ، ولم يكن هناك وقت من الأوقات كان الله غير حي بروحه القدوس خالق وناطق بكلمته فهذه طبيعته السرمدية، اي ان الله كائن بذاته منذ الازل خالق وناطق بكلمته وحي بروحه القدوس.
عن هذا يقول القديس يوستينوس الشهيد (100 إلى 165م):
" يسمي المسيحيون المسيح ” الكلمة “، لأنه يحمل بشارة من الآب للبشر. ولكنهم يُصِرُّون على أن هذه القوة (الكلمة) غير مُنقسِم وغير مُنفصِل عن الآب، كما أن شعاع الشمس الذي يصل إلى الأرض هو غير مُنقسِم وغير مُنفصِل عن الشمس في السماء."
اذا ولادة الكلمة من الآب هي مثل ولادة شعاع النور من الشمس، فرغم وصوله الى الارض الا انه يحمل نفس صفات الشمس التي في الفضاء. وندعوا الشعاع الذي يصلنا من الشمس بالشمس، فنقول مثلا : افتح الشباك لكي تدخل الشمس الغرفة؟!
الله خلق الوجود بقدرة كلمته الأزلي فقال للشيء كن فكان مستعملا " الكلمة ". " كل شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ." ( يوحنا 1 )
لتقريب المبدا مع فارق التشبيه اذا أخذنا كلمة الإنسان نجدها تجسد فكره وعقله الغير مرئي، فكلمة الإنسان وفكره متلازمان كذلك الآب و كلمته متلازمان و من نفس الجوهر و الصفات. فالله كائن بذاته حي بروحه القدوس عاقل وناطق بكلمته منذ الأزل وإلى الأبد.
فالأبن الكلمة قبل تجسده كان في الآب ومتحد بالآب كما أن كلمة الإنسان كانت داخل عقل الإنسان وكانت غير مرئية قبل أن تتجسد بنطقه لها. على نفس الوزن مع فارق التشبيه ظل الأبن " الكلمة " في الآب ومتحدا به قبل وأثناء وبعد تجسده وإلى اليوم والى الابد.
فكما ورد ولادة الكلمة من الآب هي كانبثاق النور من الشمس و لا يمكن للبشر حتى الانجيلين التعبير عنها لان السيد المسيح نفسه قال : وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ." (مت 11: 27).
الآب لم يخلق الابن، لأننا نعرف أن الابن هو كلمة الله، λόγος " اللوغس" اي " عقل الله الناطق " او " كلمة الله العاقل". والكلمة مساوي للجوهر وغير مخلوق لكن مولود منه قبل كل الدهور.
عن هذا يقول يقول القديس ديونيسيوس ابن الصليبي 1117م : " الولادة نوعان : أزليّة وزمنيّة . فولادة الابن من الآب أزليّة . وأنه لا يُطلق على الله ولادة إنسانية . بل نقول انه وَلَدَ الابن وبَثَقَ الروح منذ الأزل . وذلك كولادة الشعاع من النور والكلمة من العقل . وقد تضمن الكتاب هذا المبدأ القويم بقوله : " بكلمة الرب خُلقت السماوات وبروح فيهِ جميع قواتها " ( مز 33 : 6 ) ". وولادة يسوع المسيح من العذراء مريم بتجسده من الروح القدس هي ولادة زمنية يحدد لها زمان "
ويمكن أن نأخذ تشبيها سهلا لتوضيح هذه الجزئية:
مثل العقل والفكر، فالعقل يلد الفكر ولا يوجد عقل بدون فكر والعقل بدون فكر لا يكون عقلا وكذلك النور يلد الحرارة، فهل النور يتزوج لكي يلد الحرارة؟ بالطبع لا. إذن فولادة العقل من الفكر هي ولادة طبيعية" اي من طيبعة الشيء " ، وكذلك ولادة الحرارة من نور الشمس هي ولادة طبيعية اي من طبيعتها.
ولكن هل لأن العقل هو الذي يلد الفكر فمعناه أن العقل كان يوجد من قبل الفكر؟! فالإجابة لا. لأن العقل بدون فكر لا يكون عقلا فالعقل والفكر شيء واحد، لا يمكن فصلهما لأنه كيف يمكن فصل العقل عن الفكر الموجود داخله! لأنه لو تم فصل العقل من الفكر فالعقل لا يكون عقلا وكذلك لو تم فصل كلمة الله عن الله، فالله يفقد ألوهيته وإذا كان العقل لا يوجد له بداية فالفكر أيضا لا يوجد له بداية.
و كما تحتاج الكلمة لشيء مادي منظور لكي تخرج من عقل الإنسان لكى يراها الناس وتعلن لهم ، فاما تعلن عن طريق
سمعها أو تعلن للناس بقرائتها أو تعلن للناس في صورة مرئية
أي تتجسد فى جسد مادي حيث يراها الناس.
وهذا ماحدث أن كلمة الله أخذ جسدا حين اتحد اللاهوت مع الناسوت داخل جسد السيدة العذراء مريم فأصبح الكلمة الأزلي يحمل طبيعته الإلهية الأزلية التي اتحدت في طبيعة بشرية التي اخذها من القديسة مريم العذراء.
لذلك السيد المسيح أطلق على ذاته لقبين يعبران عن طبيعتيه هما ، لقب “إبن الله” لأنه حامل الطبيعة الإلهية ولقب “إبن الإنسان” لأنه حامل للطبيعة البشرية التي تواضع وتجسد منها و اتحد بها لكي يعيد الانسان لمرتبته الاولى على صورة الله و مثاله كما خلق. ببساطة يمكننا القول ان تجسد الكلمة هو اعادة خلق الانسان الذي سقط بسقوط ادم الاول حيث جاء ادم الثاني ليعيد جبلته و يرفعه الى السمائيات.
هنا مهم جدا ان نفرق بين ولادة " الكلمة الازلي " و ولادة يسوع المسيح ابن الله الوحيد ، إن الولادة من الآب السماوي شيء، والولادة من السيدة القديسة مريم العذراء شيء آخر. فهو مولود من الآب قبل كل الدهور وقبل خلق العالم كله ولادة إلهية روحية بدون أم فهو من نفس طبيعة و جوهر الله الآب، اي ازلي ابدي سرمدي. لذلك نقول عنه في قانون الإيمان " المولود من الآب قبل كل الدهور"
عندما أراد الله أن يخلصنا في ملء الزمان أرسل ابنه
" كلمته" مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين هم تحت الناموس من لعنة الخطية كما قال الكتاب "ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودًا تحت الناموس. ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غل4: 4، 5) وأيضًا يقول الكتاب "الكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14). إنه كلمة الله الأزلي الذي هو كائن في حضن الآب كل حين وكما يقول "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر" (يو1: 18). فعندما تجسد الكلمة رأينا الله. لذلك يقول "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو14: 9). و كلمة حضن في الكتاب المقدس تعني الحفظ او الاتحاد الكامل فمثلا : كلمتي هي في حضن عقلي قبل ان انطق بها.
السيدة العذراء مريم أعطت " للكلمة " جسدا عن طريق الروح القدس الذي حل عليها فعندما حل الروح القدس على السيدة العذراء مريم حل في احشائها ملء اللاهوت واتحد في ملء الناسوت الذي اخذه منها، بغير اختلاط او امتزاج او تغيير. و بهذا صار الكلمة اللوغس يسوع المسيح إنسانا كاملا، بنفس وروح بشرية و شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية وحدها. هذه الروح إنفصلت عن الجسد عند الموت وإن كان اللآهوت مازال متحدا بالروح ونزلت الروح إلى الجحيم وأخرج الذين انتظروه على رجاء القيامة والجسد كان فى القبر أيضا، وقام بقوة اللاهوت، لذلك نقول قدوس الحي الذي لا يموت.
ان عبارة " ابن الله الوحيد " هي لتوضيح ارسالية وجوهر يسوع المسيح كلمة الله الغير قاصر و غير محدود باستعمال اللغة البشرية القاصرة والمحدودة. وذلك لتمييزه عن بنوتنا نحن من الله التي بالتبني، و بنوة الكلمة المتجسد يسوع المسيح. فهو الوحيد الذي هو ابن الله، وكلمة ابن الله تعني المولود من جوهر الآب ولادة روحية لا نفهم كيفيتها قبل كل الدهور، فهو من نفس طبيعته وجوهره ولاهوته وقد وردت عبارة ابن الله الوحيد في الآيات الآتية:
"الآب لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر" (يو 1: 18). أي أعطي خبرًا عنه. أي عرفنا به، إذ يقول "من رآني فقد رأي الآب" (يو 14: 9). "هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد. لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية".(يو 3: 16) "الذي يؤمن به لا يدان. والذي لا يؤمن به قد دين، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد"(يو 3: 18) . "بهذا أظهرت محبة الله فينا: أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلي العالم لكي نحيا به" (1 يو 4: 9)، "و الكلمة صار جسدا وحل بيننا. ورأينا مجده كما لوحيد من الأب مملوءًا نعمة وحقًا"(يو 1: 14).