اهلا-جورج مناريوس الغلو في شفاعة القديسين في كنيسة اليوم
ترددت لبعض الوقت قبل ان اكتب هذا المقال الصغير ولكن رايت انه من البناء ان إطرح هذا الموضوع للنقاش.
تؤمن الكنائس الرسولية باجمعها بعقيدة الشفاعة وذلك لانها عقيدة كتابية قويمة جائت في العهدين القديم والجديد وهي جزء اساسي من الايمان المسيحي الذي تسلمناه من الرسل الكرام.
باختصار شديد الشفاعة بحسب الكتاب المقدس تنقسم الى ثلاث انواع:
1- شفاعة يسوع المسيح الكفارية على الصليب اذ يقول القديس يوحنا في رسالته الاولى : "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ." (1 يو 2: 1).
وهنا المعنى واضح من هذه الشفاعة اذا ان يسوع المسيح البار يشفع في مغفرة خطايانا باعتباره الكفارة التي نابت عنا في دفع ثمن الخطية اي الموت. وهكذا يقف وسيطا بين الله والناس بل هو الوسيط الوحيد، أي أنه أعطى الناس المغفرة، بأن مات عنهم، كفارة عن خطاياهم منفذا العدل الإلهي وبذلك يرانا العدل الالهي إبرار رغم خطايانا من خلال يسوع المسيح البار.
والشفاعة الكفارية هي خاصة بيسوع المسيح وحده وتختلف اختلاف كليا عن شفاعة القديسين، وايضا يقول القديس يوحنا : "إن أخطأ أحد، فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار. وهو كفّارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضًا" (1يو1:2، 2). و هذه الشفاعة تختلف عن شفاعة القديسين اذا ان شفاعة يسوع المسيح هي شفاعة لمغفرة الخطايا اما شفاعة القديسين فهي شفاعة توسلية امام الرب.
2- شفاعة القديسين : شفاعة القديسين هي مجرد صلاة من أجلنا ولذلك فهي شفاعة توسلية غير شفاعة المسيح الكفارية، اساسها الايمان بطبيعة كنيسة المسيح، فكنيسة المسيح هي كنيسة احياء وليست كنيسة اموات.
من الضروري حينما نتحدث عن الكنيسة أن لا نتحدث عنها بصورة أحياء وأموات، فمن الخطأ أن نعتقد أن الذين يعيشون الآن من أعضاء الكنيسة هم الأحياء بينما المنتقلين هم أموات حيث أن هذا مخالف لتعاليم يسوع المسيح نفسه حينما يقول:" أنا اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب، ليس الله اله أموات بل اله أحياء" (مت 22: 32). "ليس هو اله أموات بل اله أحياء. فأنتم إذا تضلون كثيرًا" (مرقس 12: 27)، "وليس هو اله أموات بل اله أحياء لأن الجميع عنده أحياء" (لوقا 20: 38)
اذا نحن نتحدث عن الكنيسة باعتبارها كنيسة واحدة، جسد المسيح الحي، بقسميها الكنيسة المنتصرة وتشمل المنتقلين الذين أكملوا جهادهم على الأرض وهم الآن أحياء بأرواحهم في الفردوس، والكنيسة المجاهدة وتشملنا نحن الذين نجاهد من أجل أن نكمل سعينا بحسب ارادة الرب.
والكتاب يوافق على مبداء شفاعة القديسين بعديه ، إذ يقول الكتاب في العهد القديم : " و صلى اسحق إلى الرب لأجل امرأته لأنها كانت عاقرا فاستجاب له الرب فحبلت رفقة امرأته" (تك 22: 21)، وتشفع الملك والنبي سليمان بداود أبيه في السماء (2أي 6: 42)، وإقامة الميت إكراما لليشع النبي بمجرد لمس الميت لعظامه (2مل13: 2)
وفي العهد الجديد يقول القديس يعقوب : "صلوا بعضكم لأجل بعض" (يع16:5)، والقديسون أنفسهم كانوا يطلبون صلوات الناس عنهم. فالقديس بولس يقول لأهل تسالونيكي: "صلوا لأجلنا" (2تس1:3). ويطلب نفس الطلبة من العبرانيين (عب18:13)، ومن اهل افسس (أف18:6)، وايضا يقول القديس يعقوب " طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا." (يع 5: 16).
3- شفاعة الروح القدس فينا : فالروح القدس "المعزي الآخر" (يو 14: 16و 17، 15: 26، 16: 13 و14) يشفع في المؤمنين خصوصا عند موتنا، كما نقرأ في رسالة رومية على لسان المغبوط بولس : " وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ." ، " وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. وَلكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ.وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ."
اما الغلو او المغالاة فهو الخروج عن الحد المسموح به أو وضع الشيء في موضع أعلى من موضعه، و اخص بالذكر هنا الغلو في شفاعة القديسين. رغم اني اؤمن باهمية الشفاعة في الكنيسة لكني لاحظت في الآونة الاخيرة غلو وبشكل عام في الطلب من القديسين بل الصلاة لهم و السعي وراء المعجزات و الامور الخارقة للطبيعة، وهذا ينافي تعاليم الكتاب المقدس بل هي وبنظري خدعة تصرفنا عن حياة الشركة مع القديسين والثالوث القدوس.
ارجوا ان اكون استطعت ان إطرح هذا الموضوع الشائك بشكل واضح، لانه هناك فرق كبير وخطير بين طلب شفاعة القديسين ( الصلاة لاجلنا) و الطلب من القديسين الشفاء و الرزق و الى اخره من احتياجاتنا الارضية.
ولا ننسى كلام يسوع المسيح نفسه للتلاميذ الكرام: "وَلكِنْ لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ»." (لو 10: 20).