اهلا- جمال زقوت اتسعت في الأسابيع الماضية دعوات البعض لقوى المقاومة “بسحب ذرائع اسرائيل” في استمرارها بحرب الابادة. قد يبدو للوهلة الأولى أن مثل هذه الدعوة تنبع من "الحرص على حياة الأبرياء في قطاع غزة" الذين بات بعضهم يستعجل الموت على انتظار حتميته، وقد تكون كذلك، ولكن عندما يوضح أصحاب هذه الدعوات مواقفهم، مطالبين قوى المقاومة بتسليم سلاحها والموافقة على مقترحات مبعوث ترامب، ويتكوف، المتماهية مع شروط نتنياهو الاسرائيلية، ويخرج هذا البعض لأول مرة في مظاهرة مهما كانت محدودة العدد وسط رام الله، ليس لإنقاذ غزة من حرب الابادة الفاشية، بل مطالباً بخروج قوى المقاومة من وطنها، واصفينها بالإرهابية، فإنه يصبح وراء الأكمة ما وراءها، وأن ذلك ليس سوى تماهٍ مع الموقف الاسرائيلي، الذي طالما سعى لتحميل مسؤولية ما يجرى من إبادة لقوى "الارهاب الفلسطيني" على حد وصف هؤلاء البعض، وهي محاولة لتبرئة مجرمي الحرب، ليس إلا، مهما كانت نوايا هؤلاء المضلَلين بفتح اللام أو المضلِلين بكسرها.
كما اعتلت في الأسابيع الماضية أصوات داعية لاستحداث منصب نائب للرئيس، وكأن الأولوية اليوم ليس وحدة الشعب وكل قواه لوقف حرب الابادة وتضميد جروح الناس، وتحرير إرادة شعبنا، وليس فقط أموال هذا الشعب من القرصنة الاسرائيلية، وباعتبار أن البعض يرى في الدعوة لمقاومة مخططات الضم فعلاً عبثياً وأجندات تسعى لتدمير الضفة كما يجري تدمير غزة.
من غير المفهوم أن سؤال من هو الرئيس القادم، الذي طالما كان منشأه اسرائيلياً كورقة ضغط لمزيد من محاولات ابتزاز القيادة، يتحول فجأة لمطلب بل شرط لدى بعض الأطراف العربية، غير مكتفين بالإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس، بأن رئيس المجلس الوطني يتولى منصب الرئاسة لحين اجراء انتخابات الرئاسة خلال تسعين يوماً، قابلة للتمديد فقط لتسعين يوماً أخرى مشروطة. كما يأتي استعجال عقد المجلس المركزي، الذي صادر صلاحيات المجلس الوطني، لتعديل القانون من أجل تمرير الاستحداث، وهو الذي لم يُستدعَ سوى للتشاور، وليس الانعقاد الرسمي طوال حرب الابادة، وما تتطلبه مواجهتها من استنهاض قوى وطاقات الشعب لوقفها والتصدي لأهدافها، وكذلك لبحث آليات تنفيذ اتفاق الإجماع الوطني "إعلان بكين" الذي حظي بالإجماع الشعبي كخشبة خلاص لمواجهة حرب الابادة والضم والتصفية الشاملة والنهائية لقضية شعبنا وحقوقه الوطنية.
وفد حركة فتح للقاهرة بمقترح استضافة مؤتمر وطني فلسطيني، يلتقط ما يمكن اعتباره الفرصة الأخيرة لقطع الطريق على الحرب المجنونة التي تقودها حكومة الفاشية في تل أبيب، فذلك هو السبيل لتوحيد الخطاب والموقف وما يتطلبه من متابعة جادة تفضي لخطة عمل وأطر جامعة تعيدنا جميعاً لجادة الصواب
في ظل هذه الأجواء شديدة العتمة، والتي لا تؤدي في حال استمرارها سوى لتشويه الوعي الشعبي، جاءت تصريحات أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل رجوب خلال زيارة وفد من الحركة إلى القاهرة، ضم رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، ورئيس الوزراء السابق محمد اشتيه، بالطلب من القاهرة استضافة مؤتمر وطني فلسطيني، مبيناً أن وفد الحركة قدم للقاهرة أفكاراً "لبناء شراكة وطنية فلسطينية" تشمل حركة حماس. هذا الأمر يُظهر بجلاء استشعار الجميع بالأخطار الوجودية التي تهدد ليس فقط مجمل الحركة الوطنية بكافة مشاربها، بل والمصير الوطني برمته. إن هذه الدعوة، والتي يجب أن تضم كافة القوى السياسية والاجتماعية والشخصيات الوطنية الوازنة، بما في ذلك ممثلين عن المجتمع المدني وقطاعي الشباب والمرأة تستدعي أن يتصدر أولوياتها سبل تنفيذ إعلان بكين، الذي نص على تشكيل حكومة وفاق وطني، وتفعيل الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية. ذلك ليس فقط للإجابة على مقولة اليوم التالي، بل والتعامل مع ملف غزة بكل أبعاده بدءاً بوقف الحرب وإغاثة أهلها وانتهاء بإعمار القطاع، وبما يشمل كذلك تعزيز قدرة شعبنا على الصمود في مواجهة حرب اجتثاث مخيمات الضفة وتصفية قضية اللاجئين واستكمال تهويد القدس المحتلة، والتصدي لمخططات ضم الضفة الغربية، وأوهام حسم الصراع بتصفية الحقوق الوطنية لشعبنا.
بهذا الموقف، فإن وفد حركة فتح للقاهرة يلتقط ما يمكن اعتباره الفرصة الأخيرة لقطع الطريق على الحرب المجنونة التي تقودها حكومة الفاشية في تل أبيب، فذلك هو السبيل لتوحيد الخطاب والموقف وما يتطلبه من متابعة جادة تفضي لخطة عمل وأطر جامعة تعيدنا جميعاً لجادة الصواب. لقد بات على قيادة حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها من القوى السياسية والاجتماعية، ليس فقط الترحيب بهذا الموقف الذي يستجيب لمواقفها المعلنة طوال فترة حرب الابادة وحاجتها الماسة لذلك، وهي تواجه مع شعبنا حرب الابادة، ومخططات اجتثاث شعبنا من وطنه بما يتجاوز نكبة عام 48، بل إن على قوى المقاومة أن تبادر لوضع مجمل ملف القطاع في إطار مسؤولية حكومة الوفاق الجديدة، وذلك وفق توافق وطني في مواجهة الاشتراطات الاسرائيلية التي تهدف لتصفية ثقافة المقاومة وليس مجرد سلاحها، وهو ما يجب أن يتم التوافق عليه وطنياً.
هذا بالتأكيد لا يعفينا من ممارسة كل أشكال الضغط الشعبي، بما في ذلك التداعي من قبل كافة القوى والشخصيات والمبادرات التي طالما دعت للوحدة، لتنظيم مؤتمر شعبي يضم كل من هو مستعد للانخراط في إنجاز هذه المهمة السامية بالوحدة في إطار مؤسسات الوطنية الجامعة الكفيلة بإعادة الأمل لشعبنا.
بهذا، وفقط بهذا، نكون قد عدنا إلى جادة الصواب، نحتكم فيها إلى كلمة سواء، والأهم إلى إرادة شعبنا ومصالحه الوطنية العليا، وتوفير كل ما يحتاجه من أجل صموده و قدرته على البقاء والتصدي لمخططات التصفية، وكذلك الاحتكام لارادته عبر صندوق الاقتراع باعتباره حقاً طبيعياً ودستورياً لانتخاب قيادته وممثليه، وإلزامهم بالوحدة والتضامن في تحمل المسؤولية الوطنية لإنقاذ مصيره في هذه البلاد.