اهلا
يُعتبر "عيد الفصح" أعظم وأهمّ الأعياد في الكنيسة ويُعرف كذلك بالعيد الكبير لما فيه من معانٍ وأهمية عقائدية للايمان المسيحي. في المسيحية كلمة "فُصُح" تعني عبور وانتقال السيّد المسيح من الموت إلى الحياة، أي القيامة. والقيامة هي أساس العقيدة لدى المسيحيين، فموت وقيامة السيد المسيح هي سر الفداء الذي يوضح لنا كيف يتحقق الوعد الخلاصي المُقدَّم للبشرية في آلام يسوع المسيح وموته وقيامته، ويشرح كيف تواصل الكنيسة رسالة المسيح الخلاصية في العالم اليوم، وكيف تُقدَّم ذبيحة المسيح الخلاصية للمؤمنين في القداس الإلهي، لهذا يعدّ الفصح أكثر الأعياد تمجيداً عند المسيحيين لأنّه يأتي احتفاءً بقيامة المسيح مِن الموت واهبا للبشرية الخلاص اي العبور مِن الموت الى الحياة، مِن الظلمة الى النور، مِن الظلم الى العدل ومِن الخطيئة الى الحرية مِن عمل الشيطان.
- قيامة المسيح هي أعظم المعجزات في تاريخ البشرية، لأنها تُثبت أن يسوع هو الله. ولذلك كَتَب القديس بولس: "إن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا، وباطل إيمانكم" (1 كورنثوس 15: 14). "يسوع هو الرب، لقد قام!" (رومية 10: 9)، كان الموضوع الرئيسي لكرازة الرسل.
- عيد الفصح هو ضمان قيامتنا نحن البشر. إذ طمأن يسوع مارثا عند قبر لعازر قائلًا: "أنا القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا..." (يوحنا 11: 25-26.(
- الفصح المجيد يمنحنا: الرجاء، الأمل، الشعور بالفرح والتشجيع للعيش في هذا العالم المليء بالألم والأحزان والدموع. يُذكرنا بأن الحياة تستحق أن تُعاش بسلام لنَنْعم ما منحنا الخالق بمحبة. كما يمنحنا القوة لمقاومة الإغراءات على انواعها والتحرر من الهموم والمخاوف غير الضرورية.
- قيامة السيد المسيح تُعطي معنىً لصلواتنا: فهي تُعزز إيماننا بالحضور الحقيقي ليسوع المسيح القائم من بين الأموات والحاضر في حياتنا، في كنيسته، في القربان المقدس، وفي السماء، مُستجيبًا لصلواتنا، وبالتالي تُعطي معنىً لصلواتنا الشخصية والجماعية الرسمية والعفوية.
رسائل القيامة لحياة الشخصية:
1) لنعش حياة القيامة: لا ينبغي لنا أن ندفن في قبر خطايانا، أو عاداتنا السيئة، أو إدماننا الخطير، أو يأسنا، أو تثبطنا، أو شكوكنا. بدلاً من ذلك، يُتوقع منا أن نعيش حياةً سعيدةً وهادئةً، نَنْعَم فيها باستمرار حضور الرب القائم من بين الأموات الذي يحبنا في جميع أحداث حياتنا، وفي خضم الملل والمعاناة والألم وضغوط حياتنا اليومية.
2) إن الايمان بوجود الرب القائم من بين الأموات معنا، يُمكّننا من عيش حياة مسيحية منضبطة. ويساعدنا على ترويض أفكارنا ورغباتنا وكلماتنا وسلوكياتنا وأفعالنا.
3) هذا الوعي القيّم بحضور الرب القائم من بين الأموات والحاضر بإستمرار في حياتنا اليومية، يُلهمنا تكريم أجسادنا، والحفاظ عليها مقدسةً وطاهرةً خاليةً من العادات السيئة. فقد خَلقنا الله على صورته ومثاله. إن اقتناعنا وإيماننا بأن حضور الرب القائم المُحبّ يسكن في كل واحد منا وكل من نلتقي بهم، ينبغي أن يشجعنا على احترامهم وتقديم خدمات مَحَبة متواضعة وغير أنانية لهم لان الانسان هو هيكل الآب السماوي الذي ارادنا ابناءً له مِن مُنطلق محبته لنا ومحبة الآب السماوي لإبنه الوحيد يسوع المسيح.
4) على المسيحي المُؤمن ان يُشِع بنور محبة الرب القائم على من حوله بسلوكه الصالح والمُتميِّز بأعمال الرحمة والخدمة المتواضعة والانتماء الفاعل لخير مجتمعه واحترام وتَقَبُل الفوارق على إختلاف انواعها ( متى 5:16).
أسباب إيماننا بقيامة السيد يسوع المسيح:
1) شهد يسوع نفسه بقيامته من بين الأموات، مُعطياً إياها علامةً على ألوهيته، إذ مات كإنسان وقام بلاهوته. لقد أعلن لتلاميذه مُسبقا عن موته وقيامته قائلا: أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم (مرقس ٨:٣١) "وَفِيمَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ فِي الْجَلِيلِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ) " متى ١٧:٢٢ ( وَقَالَ: لابُدَّ أَنْ يَتَأَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ كَثِيراً وَيَرْفُضَهُ الشُّيُوخُ وَرُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يقومَ». ) لوقا ٩:٢٢). "اهدموا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أبنيه" (يوحنا ٢: ١٩).
2) كان القبر فارغًا يوم أحد الفصح: وَلكِنْ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الأُسْبُوعِ، بَاكِراً جِدّاً، جِئْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلاتٍ الْحَنُوطَ الَّذِي هَيَّأْنَهُ. فَوَجَدْنَ الْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ عَنِ الْقَبْرِ. وَلكِنْ لَمَّا دَخَلْنَ لَمْ يَجِدْنَ جُثْمَانَ الرب يسوع (لوقا ٢٤: ٣). مع أن الحراس زعموا (متى ٢٨: ١٣) أن تلاميذ يسوع سرقوا الجسد، إلا أن كل يهودي عاقل كان يعلم أنه كان من المستحيل على تلاميذ يسوع المصدومين سرقة جسده من قبر تحرسه فرقة مسلحة من الحرس الروماني قوامها ١٦ فردًا.
3) تحوّل تلاميذ يسوع: غيّرت قيامة يسوع ومسحة الروح القدس رجالاً كانوا يائسين وخائفين بعد الصلب (لوقا ٢٤: ٢١، يوحنا ٢٠: ١٩) ، إلى رجال أصبحوا شهوداً واثقين وجريئين للقيامة (أعمال الرسل ٢: ٢٤، ٣: ١٥، ٤: ٢)، يبشرون بالرب القائم من بين الأموات بقوة في أنحاء الشرق الأوسط واوروبا وفيما بعد في أنحاء المعمورة.
ظهورات السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة المجيدة:
-1- الظهور الأول (متى 28) لمريم المجدلية ومريم الأخرى أم يعقوب ويوسف.
-2- الظهور الثاني (يوحنا 20) لمريم وهي تبكى عند القبر عندما ظنته أنه البستاني.
-3- الظهور الثالث (لوقا 24) لتلميذيّ عمواس.
-4- الظهور الرابع (يوحنا 20) للتلاميذ العشرة في العلية.
هؤلاء الأربع ظهورات في نفس يوم القيامة.
-5- الظهور الخامس (يوحنا 20) للتلاميذ ومعهم توما الأحد الجديد، أول يوم أحد بعد القيامة.
-6- الظهور السادس للتلاميذ جميعًا في الجليل.
-7- الظهور السابع (يوحنا 21) كان في بحيرة طبرية لسبعة تلاميذ، بطرس وتوما ونثنائيل وغيرهم.
-8- الظهور الثامن (يوحنا 21) لبطرس وحده في العتاب "يا سمعان ابن يونا" أتحبني أكثر من هؤلاء؟!"
-9- الظهور التاسع (1 كورنثوس 15) ليعقوب وحده أول رسول شهيد، لايمانه برسالة وتعاليم الرب يسوع المسيح.
-10- الظهور العاشر (1 كورنثوس 15) لخمسمائة أخ.
-11- الظهور الحادي عشر (متى 28) على جبل الصعود أي جبل الزيتون في مدينة القدس.
الخاتمة:
لم يستطع اليهود ولا الرومان في حينه دحض قيامة يسوع بتقديم جسده الميت. فالقبر كان فارغا لان المسيح بلاهوته ومحبة الله الآب كان قد قام من القبر وشَهِد على ذلك ملاكان اخبرا مريم المجدلية بذلك.
ما كان الرسل والمسيحيون الأوائل ليبشروا بالمسيح مُخلصاً بلا خوف ويواجهوا الاضطهاد والاستشهاد لو لم يكونوا متأكدين تماماً من قيامة يسوع المسيح في اليوم الثالث لصلبه، موته وقيامته .
إن تحوُّل الرسول بولس من مُضطهد شَرِس للمسيحيين إلى واعظ مُتَحمس ليسوع يَدعم حقيقة قيامة يسوع المسيح من القبر، (غلاطية ١: ١١-١٧، أعمال الرسل ٩: ١، أعمال الرسل ٩: ٢٤-٢٥، أعمال الرسل ٢٦: ١٥-١٨.(
إن مُجرد وجود كنيسة مسيحية مبكرة مزدهرة، استطاعت أن تقهر الإمبراطوريات، وواجهت بشجاعة ثلاثة قرون من الاضطهاد ونجت منها، يَدعم حقيقة قيامة السيد المسيح مخلصنا الذي قال: "انا الطريق والحق والحياة. لا يأتي احد الى الآب إلا بي". ( يوحنا ١٤:٦ ).
ولكل ما ذُكر أعلاه نُرنم بفخر المزمور 118:24 قائلين: "هذا هو اليوم الذي صَنَعه الرب لنفرح ونتهلل به". المسيح قام من بين الاموات وداس الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور.
كل عام والجميع بخير ومحبة الرب وسلامه.