اهلا - محمد شمس الدين-بيروت الانتقال الآني وغزو الفضاء… ثورة كمومية (Quantum) ستغيّر واقع البشرية في زمن تتسارع فيه الابتكارات وتتداخل فيه حدود العلم مع الخيال، تبرز الثورة الكمومية كأحد أكثر التحولات جذريّة في تاريخ البشرية. من الحواسيب العملاقة التي تعيد تعريف مفهوم السرعة، إلى الذكاء الاصطناعي المدعوم بخوارزميات كمومية، وصولاً إلى ما قد يكون بدايةً فعلية لحلم قديم: الانتقال الآني. لطالما بدا النقل اللحظي ضرباً من الخيال العلمي، مشهداً سينمائياً يتكرر في أفلام مثل “ستار تريك”، حيث يختفي الجسم من مكان ليظهر فوراً في آخر، متحدياً كل قوانين الفيزياء الكلاسيكية. لكن هذا التصوّر لم يعد محصوراً في الخيال. في العام 2025، سجّل فريق من جامعة أكسفورد اختراقاً علمياً مذهلاً عبر نقل كمومي للمعلومات بين حاسوبين خارقين، مستخدمين تقنية متقدمة تُعرف بـ “حجز الأيونات”. ما جرى ليس نقلاً مادّياً لجسم أو آلة، بل انتقال لحالة كمومية دقيقة – أي المعلومات الجوهرية المرتبطة بجسيم – من مكان إلى آخر من دون المرور عبر وسيط مادي. هذا الإنجاز لا يُعدّ مجرّد تطور في تكنولوجيا المعلومات، بل إعلان عن بداية عصر جديد تُكسر فيه الحواجز بين الزمان والمكان، وتتغيّر فيه قواعد التواصل، ويُعاد فيه تعريف الممكن والمستحيل. الكمومية: فكّ الشيفرة لفهم المستقبل الجسيمات دون الذرية (مثل الإلكترونات والفوتونات) يمكن أن: تكون في أكثر من حالة في الوقت نفسه (التراكب). ومن هنا، تشأ إمكانات تكنولوجية خارقة لم يكن يمكن تخيلها في السابق. الحوسبة الكمومية: عقل خارق لتحديات القرن أبرز الاستخدامات الحالية للتكنولوجيا الكمومية التشفير والأمن السيبراني إنترنت كمومي عالمي الثورة الكمومية لن تغيّر فقط التكنولوجيا.. بل ستغيّر كيف نُعرّف “الواقع” نفسه. من الانتقال الآني إلى تشفير غير قابل للكسر، ومن اكتشاف جزيئات الحياة إلى بناء محاكاة للوعي البشري… نحن في زمن لم يعد الخيال فيه سابقاً للعلم، بل العلم هو من يلحق بخياله ويحوّله إلى واقع.
في سلسلة أفلام “الرجل النملة”، يجري الحديث كثيراً عن عالم “الكوانتوم”، وكيف أنه عالم بلا قواعد الفيزياء الطبيعية. وكان هذا العالم الركن الأساس في آخر جزء من سلسة “المنتقمون” ليتمكنوا من إرجاع البشر الذين أخفاهم الشرير “ثانوس”، بحيث سافر الأبطال عبر الزمن من أجل الحصول على “الأحجار اللانهائية” كي يستخدموها في تحقيق الانتصار على “ثانوس”. وقد يظن العالم أن ما شاهده هو خيال علمي محض ولكن في الحقيقة عالم “الكوانتوم” موجود ونظرياً يمكن تغيير قواعد الفيزياء كلها إن تمكن العلماء من فهمه وتسخير طاقته، وبالفعل العالم اليوم يتجه الى الاعتماد بصورة كبيرة على “الكوانتوم”.
لكي نفهم ما يجري، علينا أولاً تفكيك المفاهيم المعقّدة إلى عناصر بسيطة. في عالمنا العادي (الكلاسيكي)، كل شيء واضح: الأجسام تتحرك بخط مستقيم، والضوء يسير بسرعة ثابتة، والمعلومة تنتقل من نقطة إلى أخرى. لكن في عالم فيزياء الكم، تتغيّر هذه القواعد.
ترتبط معاً مهما ابتعدت المسافة بينها (التشابك الكمومي).
تتغير حالتها فقط عند مراقبتها (القياس الكمومي).
الحوسبة الكمومية لا تحلّ محل الحواسيب التقليدية فحسب، بل تعيد تعريف مفهوم “المعالجة”. فبينما تتعامل الحواسيب الكلاسيكية مع المعلومات كبِتّات (0 أو 1)، تتعامل الحواسيب الكمومية مع الكيوبتات (0 و1 معاً). هذا يعني أن العمليات التي كانت تستغرق آلاف السنين يمكن أن تُنجز في ثوانٍ.
على الرغم من أنها لا تزال في بداياتها، إلا أن الحوسبة الكمومية بدأت تتسلل إلى مجالات حيوية:
خوارزميات الكم يمكنها كسر التشفير التقليدي خلال دقائق.
في المقابل، يمكن استخدامها لإنشاء تشفير كمومي غير قابل للاختراق (مثل شبكة الصين للاتصالات الكمومية بين بكين وشنغهاي).
الكيمياء واكتشاف الأدوية
تحاكي تفاعلات الجزيئات المعقدة بطريقة لا يمكن لأي حاسوب كلاسيكي مجاراتها.
شركات مثل Pfizer وRoche بدأت في اختبار خوارزميات كمية لتسريع اكتشاف أدوية السرطان والأمراض النادرة.
الذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة
الحوسبة الكمومية يمكن أن تعزز نماذج الذكاء الاصطناعي بصورة كبيرة من حيث سرعة التحليل ودقة التنبؤات.
تجارب غوغل أظهرت تسريعاً ملحوظاً لبعض خوارزميات التصنيف.
تحسين النقل واللوجيستيات
شركات مثل DHL وVolkswagen تستخدم خوارزميات كمية لاختصار مسارات النقل، وتوفير الوقود والزمن.
يمكنها حل مشكلات “مسار البائع المتجول” التي يصعب حلها رياضياً.
النمذجة المالية والأسواق
تستخدمها مؤسسات مثل JPMorgan وGoldman Sachs لتحليل المخاطر المعقّدة والنمذجة الاحتمالية للأسواق العالمية.
الفيزياء والفلك
يستخدمها الفيزيائيون لفهم الثقوب السوداء والمادة المظلمة ومحاكاة ظروف الكون المبكر.
الاستخدامات المستقبلية للتكنولوجيا الكمومية
ما ينتظرنا في الأفق قد يغيّر طبيعة الحياة البشرية نفسها:
شبكة لامركزية، فائقة الأمان، تربط بين المدن والبلدان عبر تشابك كمومي لا يمكن التنصت عليه.
سيتم إرسال الرسائل عبر “الكيوبتات” وليس الإشارات الكلاسيكية.
أجهزة استشعار كمومية
قادرة على قياس أدق التغيرات في المجالات المغناطيسية والجاذبية.
تُستخدم في التنقيب عن المعادن، وتتبع الزلازل، وحتى في الملاحة من دون GPS.
المواد الجديدة وميكانيكا الكم الهندسية
اختراع مواد لم تُكتشف بعد، بخصائص مثالية (مثل موصلية تامة أو قوة خارقة).
ذلك سيفتح الأبواب لعوالم الطيران الفضائي، والروبوتات العضوية، والمباني الذكية.
ذكاء اصطناعي كمومي واعٍ
بناء نماذج ذكاء اصطناعي تتخذ قرارات معقدة لحظياً عبر ملايين الاحتمالات.
قد يؤدي ذلك الى ابتكار مساعدين أذكياء يفكرون كما البشر… وربما أسرع.
نمذجة الدماغ البشري
فهم آليات الوعي والتفكير من خلال محاكاة الشبكات العصبية باستخدام خوارزميات كمومية.
مستقبل الوظائف والفرص الاقتصادية
أسواق العمل: خبراء الكم سيكونون من أكثر المهن المطلوبة، في فروع مثل فيزياء الكم، برمجة Qiskit، الأمن السيبراني الكمومي.
اقتصاد جديد: ستظهر شركات وحكومات تعتمد على الكم في بناء ثرواتها، تماماً كما حدث مع الانترنت في التسعينيات.
لحظة انكسار الزمن التكنولوجي
لم نعد نتحدث عن سرعة معالجة أو قوة ذاكرة فقط، بل عن نقلة في طبيعة المعرفة، عن عبور بوابة إلى بعد جديد في فهمنا للعالم.