اهلا
دعنا نتحدث بصراحة. يوم الجمعة، بينما كان الآلاف يصرخون في شوارع سخنين ضد الحرب والموت، كنتَ أنت، وكنتُ أنا، نراقب من بعيد. ربما من شاشة هاتف، أو ربما لم نكن نراقب على الإطلاق. هل سألت نفسك لماذا؟ هل هو الخوف؟ أم أنه شعور جديد بأننا "لسنا مثلهم"؟ هذا الصمت الذي نختبئ خلفه، هل هو حقاً نجاة، أم أنه الثمن الأغلى الذي ندفعه؟
في سخنين، كانت الحناجر بحجم وطن. آلاف المتظاهرين رفعوا شعارات تطالب بوقف التجويع في غزة، وهتافاتهم اخترقت جدار الصمت الذي شيدناه حول أنفسنا. هناك، رفعت اللافتات عالياً متحديةً القرارات العليا. وهنا، في بيوتنا، أُغلقت النوافذ بإحكام خشية "سوء الفهم". مشهدان لمجتمع واحد، يفصلهما جدار من الإرادة.
صحيح أن الوجوه في سخنين كانت مألوفة، والنشطاء هم أنفسهم من اعتدنا رؤيتهم. لكن كثافة الحضور هذه المرة حملت شيئًا مختلفًا، شرخًا صغيرًا في جدار الخوف، ونافذة أطل منها أمل كدنا ننساه.
لكن ماذا عن البقية؟ ماذا عن الأغلبية الصامتة التي اختارت أن تراقب من خلف الأبواب المواربة؟ قطاعات واسعة من مجتمعنا آثرت السلامة، وتجنبت الفعل العلني. أعداد متزايدة منا يبتعدون عن أي موقف، لا لأنهم فقدوا إحساسهم، بل لأن الخوف أصبح يتوارثونه جيلاً بعد جيل. هل أصبح "لايك" على فيسبوك بطولة؟ وهل حذف منشور قديم هو تكتيك البقاء الجديد؟
لقد أصبحنا نعيش في منطقة رمادية، نحاول النجاة من كل شيء: من الحرب، ومن التحقيق، ومن نظرة جار، ومن تعليق عابر. لا نعارض الاحتلال صراحة، ولا ندعمه طبعًا. لا نشارك، لا نبدي رأيًا، ولا نعلق. أصبح الخوف هو القائد، والانكماش هو التكتيك، والحذر هو القاعدة التي نعيش بها.
مظاهرة سخنين لم تكن مجرد حدث، بل كانت مرآة رأينا فيها وجهين لمجتمعنا: وجهاً يصرخ، وآخر يهمس. وجهاً يختار المواجهة، وآخر يتقن فن الالتفاف. لقد صمتَ كثيرون، لكن آخرين صرخوا. والفرق بين الاثنين لا يُقاس بالخوف وحده، بل بالإرادة.
السؤال لم يعد "هل الصمت يُنقذ؟"، بل أصبح: ماذا سيبقى منا إذا استمر هذا الصمت؟ التاريخ لا يرحم الصامتين، والكرامة لا تُبنى على الخوف. إن التصدع الذي أحدثته وقفة سخنين في جدار الخوف يجب ان يتسع مع الأيام القادمة الى أن ينهار حاجز الوهم من الخوف. من اجل هذا، علينا بهدير شعبي متواصل وقوي ليسقط الجدار المترنح كليا..!