اهلا
الأب الدكتور جورج خوري – أخصائي نفساني ولاهوتي راعوي
تداعيات وإسقاطات إنفصال الزوجين على الأبناء
مقدمة:
كَثُرت في الآونة الأخيرة وخاصة بعد أزمة وباء فيروس كورونا، مشاكل الزواج وإرتفع عدد الشابات والشبان الذين لا يرغبون الزواج لأسباب ودواعٍ مُختلفة.
هذا وتشكل قضايا الانفصال القانوني وإبطال الزواج في الكنيسة الكاثوليكية مساحة حساسة ومعقّدة، لا سيما عندما يكون هناك أطفال. فالطفل غالبًا ما يُترك ضحية صامتة لإجراءات قانونية ورعوية تتمحور حول الزوجين، في حين تتأثر نفسيته، وهويته الكنسية، ومسار نموه العاطفي والاجتماعي. من هنا، تكتسب دراسة هذا الموضوع أهمية خاصة إذ تجمع بين ثلاثة أبعاد : النفسي، القانوني، والرعوي.
أولًا : البُعد النفسي للانفصال على الأطفال:
تشير الدراسات النفسية إلى أن الأطفال الذين يعيشون تجربة الانفصال أو الطلاق يواجهون مستويات مرتفعة من القلق والاكتئاب، إلى جانب تراجع الأداء الدراسي وصعوبات في تكوين علاقات اجتماعية مستقرة.¹ ونكوص عاطفي . في حالة إعلان إبطال الزواج الكاثوليكي، ورغم اختلافه عن الطلاق في الكنيسة الارثوذكسية الشقيقة من حيث الأساس اللاهوتي، تبقى النتائج النفسية على الطفل متشابهة إلى حد بعيد، إذ يشعر بزعزعة الاستقرار وفقدان الشعور بالأمان العاطفي وصعوبة لفهم الحالة العائلية الجديدة والتماهي مع الطرفين او مع طرف واحد من والديه.
يُضاف إلى ذلك بُعد هوية الطفل الكنسية : ففي بعض الحالات يشعر الطفل بأن الكنيسة قد "ألغت" زواج والديه، مما يثير تساؤلات وجودية حول معنى أسرته ومكانته فيها. هنا تبرز الحاجة إلى مرافقة رعوية نفسية – روحية تساعد الأبناء على استيعاب الفروقات بين "بطلان الزواج" و"الطلاق" بالمعنى المدني.
ثانيًا : البُعد القانوني:
.1 في القانون الكنسي:
القانون الكنسي يميّز بين الانفصال الجسدي مع بقاء الرابطة الزوجية، الهجر الدائم او المؤقت وبين إعلان بطلان الزواج . في الحالتين، يولي القانون الكنسي اهتمامًا خاصًا بالأبناء وخاصة الأطفال وذوي الإحتياجات الخاصة مِنهم، من خلال ضمان حضانتهم، نفقتهم، وتربيتهم الدينية، تطبيبهم ودراستهم.²
الكنائس الشرقية الكاثوليكية تضيف بعدًا آخر، إذ تسمح أحيانًا بمساحة أوسع للانفصال لأسباب رعوية مرتبطة بالثقافة والعادات المحلية.³ ومع ذلك، يبقى الهدف الأساس هو حماية خير الأطفال ومستقبلهم.
.2 في القانون المدني:
في السياق المدني، وفي بعض الدول، قد لا يعترف القضاء المحلي المدني بإعلان بطلان الزواج الكنسي، مما يفرض على العائلة الدخول في إجراءات مزدوجة (مدنية وكنسية). هذا التعقيد القانوني يضاعف من التوتر النفسي والاجتماعي على الأطفال، حيث يعيشون بين واقعين قانونيين متوازيين , ويزيد مصاريف التقاضي والمحاماة، ولكن ولحسن الحظ، في بلادنا تعترف السلطات المدنية بقرارات المحكمة الدينية، ففي حال إعلان بطلان الزواج (او الطلاق لدى الكنيسة الارثوذكسية الشقيقة) يعود كل من الزوجين الى حالة العزوبة ويُسمح لهم بالزواج ثانية إن لم يكن أي مانع قانوني لذلك. طبعا فيما يتعلق بقانون موازنة الموارد فعلى الزوجين التوجه الى محكمة شؤون العائلة المدنية.
ثالثًا : البُعد الرعوي واللاهوتي:
اللاهوت الكاثوليكي يولي الطفل مكانة خاصة بصفته صورة لله (سفر التكوين (1:27 ووديعة ثمينة في العائلة المسيحية.⁴ لذلك، على الرعاية الكنسية أن تضع الطفل في قلب المرافقة والإهتمام وضرورية الإرشاد الروحي والرعوي.
.1المبادرات الرعوية.
مِن مسؤوليات الكنيسة وضع:
- برامج الدعم النفسي – الروحي والإجتماعي للأطفال المتأثرين بالانفصال.
- إدماج العائلة المجروحة في الحياة الليتورجية والرعوية، حتى لا يشعر الأطفال بالنبذ والشعور بالغربة والزوجين الشعور بالوحدة.
- تدريب الكهنة خاصة والمحامين الكنسيين على المهارات النفسية والاجتماعية لمرافقة العائلات ومعرفة القانون الكنسي جيداً.
.2 التوجيه الكنسي البابوي:
الإرشاد الرسولي (Amoris Laetitia ) فَرَح المحبة يشدّد على ضرورة حماية الأطفال من أن يصبحوا "رهائن نزاعات".⁵ كما يدعو إلى ابتكار ممارسات رعوية توازن بين تطبيق القانون الكنسي ورعاية النفوس وخاصة اللأطفال.
الخاتمة والتوصيات:
تظهر هذه الدراسة أن الأطفال يقفون في تقاطع معقّد بين القانون والجانب النفسي، والإجتماعي والرعاية في قضايا إعلان بطلان الزواج الكاثوليكي. التأثيرات النفسية قد تكون عميقة وطويلة الأمد، بينما الإطار القانوني يحاول التوفيق بين حق الزوجين ومصلحة الأطفال، أما الإطار الرعوي فيسعى لدمج جميع هذه الأبعاد بروح الإنجيل وتعاليم الكنيسة.
لذلك، من الضروري:
-تطوير برامج رعوية – نفسية مخصّصة للأبناء لتعزيز هويتهم ورفع وعيهم الشخصي وإكسابهم المهارات الحياتية للتكيُّف اليومي.
-تعزيز التنسيق بين المحاكم الكنسية والسلطات المدنية لما فيه خير العائلة.
-تشجيع مزيد من الدراسات المقارنة بين الكنائس اللاتينية والشرقية في هذا المجال، لزيادة التعاون وحفظ إيمان المؤمنين وعدالة تطبيق القوانين الكنسية خاصة في المحاكم الكنسية.
- العمل الدؤوب لتحضير الخطاب خلال فترة الخطوبة والتعارف بشكل جدي لزواج مسؤول لتفادي اسباب عدم نجاح الزواج. فدرهم وقاية خير من قنطار علاج.
الهوامش:
¹ Amato, Paul R. 2010. "Research on Divorce: Continuing Trends and New Developments." Journal of Marriage and Family 72(3): 650–666.
² Code of Canon Law (CIC). 1983. Vatican City: Libreria Editrice Vaticana.
³ Morrow, John. 2015. Eastern Catholic Canon Law and Family Life. Beirut: Catholic University Press.
⁴ Francis. 2016. Amoris Laetitia: Post-Synodal Apostolic Exhortation on Love in the Family. Vatican City: Libreria Editrice Vaticana.
⁵ Francis. 2016. Amoris Laetitia, no. 241.