اهلا رسالة إلى الأهل في وجه العنف المستشري: كيف نحمي أبناءنا ونزرع فيهم الأمل رغم الدم والوجع في خضمّ ما نشهده اليوم من تصاعد العنف والقتل في مجتمعنا العربي، أصبحنا ننام على خبر جريمة ونستيقظ على أخرى. أرواح تُزهق بلا ذنب، ودماء تسيل في شوارعنا، حتى بات الخوف جزءًا من يومنا، واليأس يتسلّل إلى قلوبنا وقلوب أبنائنا. أولاً: فلنبدأ من بيوتنا: ثانياً: فلنوفّر لهم شعور الأمان: ثالثاً: لنعلّمهم كيف يعبّرون لا كيف ينتقمون: نظرية "التعلّم الاجتماعي" تقول إن الأبناء يتشرّبون سلوكنا أكثر مما يسمعون كلماتنا. فإذا رأونا نحاور بهدوء، نحلّ خلافاتنا بلا عنف، نساعد جيراننا، فهم سيتعلّمون. أما إذا شاهدونا نصرخ ونشتم ونحمل الحقد، فسنزرع فيهم البذور نفسها التي نريد اقتلاعها. خامساً: نحتاج أن نكون معًا لا وحدنا وأخيراً وليس آ خرا : لنزرع فيهم الأمل رغم القتل والعنف من حق أبنائنا أن يحلموا بمستقبل لا يُقاس بعدد الضحايا، بل بعدد المبادرات، والابتسامات، وحبّ الحياة.
لكن وسط هذا السواد، ما زال في أيدينا دور، ومسؤولية، بل وأمل.
نحن، الآباء والأمهات، خطّ الدفاع الأول أمام هذا الواقع المؤلم. من بين أيدينا يخرج جيل إما يُكمل دوامة الدم، أو يقطعها إلى الأبد.
أبناؤنا، خصوصاً المراهقين، يرون ويسمعون كل شيء. الصور، الأخبار، مشاهد القتل، الأحاديث في الشارع. وقد لا يُظهرون خوفهم، لكنهم يعيشونه في داخلهم.
لذلك، واجبنا أن نكون لهم المأوى الآمن لا مصدر الخوف الإضافي. قبل أن نعظهم أو نطلب منهم “أن لا يغضبوا”، علينا أن نستمع إليهم.
اسأل ابنك بهدوء: كيف شعرت بعد ما سمعت عن الحادث؟
واصغِ إليه من دون أن تقاطعه.
دع خوفه يُقال، ودمعته تنزل، وصمته يُحترم.
ثم طمئنه: (خوفك طبيعي، وأنا هنا معك. معًا سنجعل حياتنا أكثر أمانًا.)
حتى في زمن الفوضى، يمكن أن نخلق جزيرة استقرار داخل البيت. لنُحافظ على روتين ثابت من نوم وطعام ودراسة. لنُقلّل متابعة الأخبار المليئة بالعنف، خاصة قبل النوم. ولنمنحهم مساحة للتعبير: بالرسم، بالكتابة، أو حتى بالصمت الآمن. التكرار والنظام ليسا ترفاً تربوياً؛ إنما دواء نفسي يعيد التوازن بعد الصدمة.
المراهق الغاضب لا يحتاج إلى تهديد، بل إلى من يعلمه تسمية مشاعره. أن يقول: (أنا غاضب، أنا خائف)، بدل أن يصرخ أو يهاجم.
نعلمه أن القوة الحقيقية ليست في السلاح، بل في ضبط الغضب وتحويله إلى فعل نافع.
نحوّله من متفرّج يائس إلى فاعل: مشروع فني، نشاط مدرسي، مبادرة تطوّعية، كل ذلك يزرع الإحساس بأنه يستطيع أن يُغيّر، لا أن يُدمر.
رابعاً: لنتذكّر أن المراهق يتعلّم منّا نحن
المسؤولية لا تقع على عائلة واحدة. المدرسة، والمجتمع، والبلدية، والمؤسسات، كلها يجب أن تعمل كجسم واحد. لننشئ مجموعات دعم للأهالي، جلسات حوار للمراهقين، وبرامج توعية في المدارس.
لأن "القدرة الجماعية" (collective efficacy) كما تقول الدراسات، هي العامل الأقوى في خفض العنف في المجتمعات.
من واجبنا أن نُريهم أن الأمل لا يموت، وأننا قادرون على صناعة غدٍ أفضل، رغم كل ما نراه اليوم.
فلنكن نحن الجيل الذي وقف وقال: كفى دمًا، كفى حزنًا، كفى خوفًا.
ولنبدأ التغيير من بيوتنا — من كلمة، من حضن، من إصغاء صادق.
رائد برهوم: مرشد بيداغوجي
عين رافا