
















اهلا أطفال الزيتون، تابع
عفيفة مخول خميسة_ معليا
سمعتُ صاحبًا يتحدّث وأبي (رحمهما الله)، ويقصّ خيط الكلام بقول كان محفوظًا ضمن الاحتياطيّ: "البنات متل الزتون، ما بتحلا غير بالرصّ"! فردّ أبي: صاحب هاي النظرية كان لازم لسانُه ينقصّ! ولكن، ما علاقة هذا بأطفال الزيتون؟! مجرّد توارد زمنيّ يحمل خاطرة حجزت مكانًا للظهور ضيفة على أبطال حكاية.
وكان فيهم طفل في الصفّ الأول قد تحمّس للمساعدة برصّ الزيتون الأخضر، لأنّ والده يحبّ المرصوص جديد، مع أنّه لا يستوعب غرام الكبار بهذه المرارة، ويناقش! (لا يدرك من المرارة غير ما تجود به حاسّة الذوق)!
أصغر المياومين هذا مقاول ينهي عمله مع ملء جاط يكفي لأبيه جمعة، حسب تقديره! فيتعرّم ثقة، ويمضي للالتحاق بمعمل الحكايات، وهو ورشة اختياريّة جاذبة، وقد انتزعت قانون طوارئ يعفي من تنظيم عدّة الشغل. هذا المدّعي أنّه قاري كاتب يظهر عليه كدّ النهار، فينفرد بركن خاصّ بالسكوت، وينبطح على المسطبة حبّة زيتون مرصوصة! يا ألله! هل يتعب الأطفال!؟
ويأتي كانون إيّاه بالخبر؛ كان هذا "القزعوط" يقطّر من صمته رسالة حريريّة لابن خالته (ابن العام)! بعد التفكيك، التحليل والتنقيط تبيّن أنّها دفق عاطفيّ فاض عن سعة شرنقته، وقد استعان برسم هالة من قلوب الكبّة حيث استعصت عليه الحروف! ويأخذ على عاتقه تقديم المكتوب باسم أفراد الأُسرة بما فيهم الجدّة والجدّ! كما يوصي "البوبّو" أن يحافظ على المكتوب، ويقرأه بسّ يصير بالصفّ الأول، بينما يتركه في ذمّة أوراق مشكوك بمصيرها!
قصة نسمة عابرة شممتُ فيها رائحة قرأتُها من قبل مرارًا... وتُبعث رغبتي بالتوجّه ثانية وثالثة ورابعة لعرين أُسود التربية والتعليم، لتقديم طلب مرفق برجاء خاصّ لمربيات الصفوف الأُولى، للتذكير بأنهنّ صائغات مؤتمنات على تشكيلة واسعة من الأحجار الكريمة القابلة للصقل، والتشكيل تحَفًا يجب الاستثمار بها، وهي ثروات ثقافيّة نحن بأشدّ الحاجة لها. أو يصحّ فينا القول بما معناه "كنوز في المكبّات"! فإنّ إحياء مربّعات الإبداع والميول الفرديّة مهارة تربويّة عالية القيمة، وأدواتها متوفّرة في حواضر كلّ "مربّ"!
فلا للاعتماد على مستر جوجل، والاكتفاء بمطبوعات عبقريّته، وهو محرّض على تعطيل ماكنة النشاط الفطريّ الحرّ، حيث تُدار ورشات التطوّر الحقيقيّ. والحريّة فلسفة كونيّة نواتها الأُولى حلم ينطلق من حريّة التعبير عمّا يدور بين الفكر والعاطفة. ولا حواجز أخلاقيّة تمنعنا من تسكيت الدمى الناطقة المستوردة معلّبة مطليّة بألوان التفوّق المعرفيّ. فهي خيوط عنكبوت حديديّة لا تقاوَم إلّا بشبكة من الإغراءات الحريريّة. وجيوب ثقافتنا منتجعات تتوفّر فيها ظروف التكيّف للعاشب واللاحم كليهما. "فلا يموت ذئبهم ولا يفنى غنمنا"!
وتضحك مرآتي منّي ملء شدقيها! ما عادت تتقبّل العروض النظريّة هذه. أفهمها وأتفهّمها! وترى فيه عصيانًا سافرًا للواقع. فلا أفهمها! فكان بيننا سجال دام ثلاثة أعوام، كاد أن ينتهي بقطيعة!
ويحلّ أيلول هذا العام ليفتح أبواب المدارس محمّلًا بالأخبار، كاشفًا عن أنياب من نار. وقد سألت صاحب الرسالة المجنونة بقلوب الكبة إن كان متحمّسًا للعودة للمدرسة، فأجاب بدون تحزير: يا ريت يبطّل في مدارس!! هذا هو الواقع! يبدو أنّ نظريّة شبكات الإغراء الحريريّة قد احترقت من أوّل همسة!
إذًا، لا سبيل إلّا بالمقاومة العمليّة. فلا ثورة إصلاح قامت إلّا وبدأت بعصيان الواقع. وهذا يتطلّب وعيًا عميقًا لخطورة حبس العقول، والبقاء ضمن الأُطر الثقافيّة الممنهجة. ودون هذا إرادة فولاذيّة واجتماع على الرأي بتهذيب سلطة وسائل المعارف التقنيّة الاستهلاكيّة في المدارس، وهي القاتل العصريّ الصامت الخبيث الذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته مولولًا مع المتحسّرين.
فألف لا للولولة والتحسّر على ما فات، وألف نعم لشقّ دروب الآتي على منشّطات لإحياء الرغبة الفطريّة بالمعرفة. فهناك مربط جياد البعث الحقيقيّ. ولا مستحيل إلّا المستحيل متى توفّرت القناعة والنيّة. وأتساءل: ما المانع، مثلًا، من إطلاق حملة فصليّة تقوم على تخصيص جوائز رمزيّة لكلّ تلميذ يعود صفّه بشيء من إبداعه الخاصّ؛ خاطرة، رسم، حكاية شهد عليها، قصّة قرأها أو سمعها، واقعيّة، أو خرافيّة. ففي هذا من الجذب والتشويق ما يترك أثره في الآخرين حماسًا إيجابيًّا... (مجرّب). أمّا بعد،
"فالذي يحيا بعجزٍ هو في بطءٍ يموت"!