
















اهلا غزة بين وقف النار وإعادة تشكيل المشهد: تسويات هشة وصراعات مؤجلة.. لا يبدو أي اتفاق لوقف الحرب على غزة، في السياق الراهن، اتفاقًا نهائيًا بقدر ما هو هدنة مُدارة بشروط دولية وإقليمية متشابكة. فخلف عناوين “وقف إطلاق النار” تختبئ أسئلة أعمق تتعلق بإعادة ترتيب النفوذ، وتثبيت نقاط أمريكية متقدمة في مشهد إقليمي يتغير، حيث تسعى واشنطن إلى ضبط الصراع لا حله، وإدارته لا إنهائه. الاتفاق – إن تمّ – لا ينطلق من معالجة جذور الصراع، بل من محاولة احتواء تداعياته الإنسانية والأمنية، خاصة مع تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل، وخشية الولايات المتحدة من انفلات إقليمي أوسع. ومن هنا، فإن أي تحرك أمريكي جديد سيُبنى على مبدأ “التهدئة مقابل إعادة التموضع”، بما يسمح لها بإعادة ضبط أدوار الحلفاء، وإبقاء زمام المبادرة السياسية بيدها. في هذا السياق، يبرز موقف حركة حماس الرافض لتجريدها من السلاح كعنصر مركزي في تعقيد المشهد. فالحركة ترى في سلاحها ضمانة وجودية بعد ما تعتبره “اختراقات واغتيالات” رافقت فترات التهدئة السابقة، ووسيلة ردع أمام محاولات فرض وقائع جديدة تحت غطاء إنساني. هذا الرفض لا يُقرأ فقط كتعنت سياسي، بل كرسالة واضحة بأن أي اتفاق لا يتضمن ضمانات حقيقية لوقف الاستهداف ورفع الحصار لن يكون قابلًا للاستمرار. أما سؤال “من سيحكم غزة؟” فيبقى الأكثر حساسية. الطرح المتداول حول حكومة تكنوقراط فلسطينية من شخصيات مستقلة، قد يبدو مقبولًا دوليًا، لكنه يصطدم بواقع القوة على الأرض. فإقصاء حماس كليًا يبدو غير واقعي، كما أن إشراكها بشكل مباشر سيواجه رفضًا إسرائيليًا وغربيًا. السيناريو الأرجح هو صيغة رمادية: إدارة مدنية تكنوقراطية بغطاء فلسطيني عام، مع بقاء النفوذ الأمني موزعًا ومؤجل الحسم، ما يجعل الحكم فعليًا هشًا وقابلًا للاهتزاز عند أول اختبار. الدول الحاضنة للمباحثات – وعلى رأسها مصر وقطر – ستلعب دور الضامن المرحلي، لكن وجودها على الأرض في مرحلة إعادة الإعمار سيكون محدودًا ومشروطًا. فإعادة البناء لن تكون مجرد عملية هندسية، بل مشروعًا سياسيًا يُراد له أن يُعيد تشكيل غزة ديموغرافيًا وأمنيًا، وهو ما يفتح الباب أمام تدخلات دولية وشركات أمنية غير مباشرة، تحت عناوين الإشراف والحماية. في الجبهة الشمالية، تستمر الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان في إطار “الضغط المحسوب”، لكنها تحمل مخاطر الانزلاق. فغياب الردع الواضح، أو سوء تقدير أحد الأطراف، قد يحوّل الاشتباك المحدود إلى مواجهة أوسع مع حزب الله، وهو سيناريو تدرك إسرائيل كلفته، لكنها تلوّح به كورقة ضغط إقليمية. الخطورة لا تكمن في نية الحرب، بل في ديناميكيات التصعيد غير المضبوط. أما على صعيد العلاقات الإسرائيلية – المصرية، فتتعمق الخلافات بهدوء. فمصر ترى في أي ترتيبات تتجاوز دورها في غزة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة ما يتعلق بمحور فيلادلفيا والحدود. فشل المحاولات الأمريكية – بما فيها تلك التي نُسبت إلى مساعي إدارة ترامب السابقة – في جمع القاهرة وتل أبيب، يعكس تمسك مصر بموقفها الرافض لتحويل غزة إلى عبء أمني دائم عليها. هذا الموقف قد يدفع القاهرة مستقبلًا إلى لعب دور أكثر استقلالية، لا صداميًا، لكنه أقل تجاوبًا مع الضغوط الأمريكية. خلاصة المشهد أن المنطقة تقف أمام تهدئة بلا سلام، وإعادة إعمار بلا حل سياسي، وحكم مؤقت بلا سيادة حقيقية. ما يجري ليس نهاية حرب، بل إعادة ترتيب ساحات الصراع، حيث تُؤجل الأسئلة الكبرى، وتُترك غزة مرة أخرى في قلب اختبار مفتوح على كل الاحتمالات.
**********************************************
بقلم:-"مرعي حيادري"
اللهم أني كتبت وأستنتجت وحللت ماهو منطفي .. وأن كنت على خطأ فيصححوني...!