















اهلا- هدف الترنيم الكنسيّ
لا بُدَّ لنا أن نسألَ أنفُسَنا في بعضِ الأحيان، خصوصًا نحن المرنِّمين، الذين ٱختبرنا الترنيم الكنسيّ في كلّ ٱحتفالات البيعة، في أعياد القدّيسين والسيّدة والسيّد له المجد. أينَ نحن اليوم من روحانيّة الترنيم؟ هل نرنِّـم لإلٰهِنا أو لأنفسنا.
لا شكّ أنَّ فن الترنيم الكنسيّ هو «فنّ»، ومن أقدس الفنون بالنسبةِ إلينا نحن المؤمنين محبّي الترنيم. إلاّ أنّ الوضع هنا يختلف، حيثُ أنَّنا لا نستطيع أن نطبِّقَ مقولةَ الفنّ للفنّ فقط، فالفنّ هنا ليس هدفًا بحدِّ ذاته.
الفنّ هنا يخدم أهدافًا محدَّدة، فهو يأتي ليساعد، ويخدم الإنسان والمؤمن، يأتي لينقُلَهُ إلى حالةٍ إلٰهيَّة، أن يتذوقَ الملكوتَ العلويّ وهو بعد في هٰذا العالم.
يمكن أن يكون هدف فن الترنيم غير ذٰلك. يلعبُ فنّ الترنيم دورًا بارزًا في قلب الحياة الكنسيّة. فهو فنٌّ صلاتيّ، يساعد الإنسان في شقِّ طريقه نحو الله وفي جواره مع القدّيسين، في شركته مع الكنيسة السّماويّة.
فنّ الترنيم الكنسيّ يكشف الجمال الأنطولوجيّ، الذي ينير ويعلّم الكنيسة كلّها.
فنّ الترنيم ذو جناحَين: جناح تلقينيّ؛ والآخر فيض طاقات الله في البشر.
نتلقّن عبر الألحان اللاهوت والتعليم الإلٰهي، وهٰذه بدورها تنمّينا لنبلغ إلى الوحدانيّة في الإيمان، وفي معرفة ٱبن الله، إلى قياس قامة ملء المسيح، فتفيض طاقات الله ونعمه فينا، حيث للروح أن يُلهب القلب ويعمل على تفعيل هٰذه الطاقات ويوضح لأذهاننا مشورة الله في العبادة والعقيدة والحياة المسيحيّة.
إذا أردنا أن نتوسّع أكثر في هٰذه المسألة، لا بدّ لنا أن نشير إلى نقطةٍ رئيسيّة، هي أنَّ فنّ الترنيم الكنسيّ هو فنٌّ يُدخل المؤمن في سرّ الله، عبر توضيح مفاهيم اللاهوت ورمزيّة الطقوس، ولا سيّما أسرار الدخول إلى الإيمان المسيحيّ. وبٱختصار، تعليم معنى الأسرار الفائقة الإدراك، هٰذا ما معناه: أنَّ هٰذا الفنّ يساعدنا للدخول إلى الميستاغوجيا «Mystagogie».
لذٰلك إذا حاد الترنيم الكنسيّ عن هدفه، لا يصبح فقط غير نافع، إنَّما خطرًا، ولن يختلف عندها عن الموسيقى العالميّة. لذٰا فالترنيم الكنسيّ هو كأيِّ فنٍّ كنسيّ، ليس هدفًا بحدِّ ذاته، إنّما يهدف إلى تقديس الإنسان.
يقول المتروبوليت إييروثيوس «Ιερόθεος»، أسقف نافباكتوس: إنّ هدف الموسيقى الكنسيّة أن تنقل للمؤمن أجواء الكنيسة السماويّة، أن تعملَ على أن يحبُّوها، أن يحنّوا إليها، وأن يرغبوا فيها، والأهمّ، أن يعيشوها قدر المستطاع.
الترنيم، إخوتي، ليس عرضًا فنيًّا، أو عرضًا للعضلات، إنَّه خدمةٌ كنسيّة. فالربّ لن يستمِعَ إلى صراخ المرنّمين في ترنيمة قراراتها عالية، بل فلنرنّم بالنعمة لله في قلوبنا كما يقول الرسول الإلٰهيّ بولس، فالكنيسة لا تحتاج إلى فنّانين ومطربين، بل إلى أشخاصٍ ذوي وعيٍ كهنوتيّ وليترجيّ.
الخوري رومانوس الأوسطة