ahlan مدينة ديرينكويو: مدينة تحت الأرض وأسرارها العميقة
لمحة تاريخية
مدينة ديرينكويو (Derinkuyu) هي واحدة من أقدم المدن الأثرية تحت الأرض وأكثرها غموضًا في العالم، وتقع في مقاطعة نوشهر بمنطقة كابادوكيا وسط تركيا. تمتد المدينة إلى عمق 85 مترًا تحت الأرض، وتعتبر أكبر مدينة محفورة تحت الأرض تم اكتشافها في تركيا، حيث يمكن أن تستوعب ما يصل إلى 20,000 شخص مع مواشيهم ومخزونهم من الطعام.
استخدامها وأهميتها التاريخية
يُعتقد أن ديرينكويو استخدمت عبر العصور كمخبأ لحماية السكان من الغزوات والاضطهادات الدينية والسياسية. وقد صُممت بتقنية هندسية معقدة تشمل:
• ممرات ضيقة متشابكة تساعد في صد الأعداء.
• أبواب حجرية ضخمة يمكن إغلاقها من الداخل لعزل المدينة.
• نظام تهوية متقن يسمح بوصول الهواء إلى جميع المستويات العميقة.
• آبار مياه، كنائس منحوتة، مخازن طعام، مدارس، واسطبلات للمواشي.
هل كانت ديرينكويو مهدًا للمسيحية؟
لا يُعرف على وجه الدقة من الذي بدأ في بناء ديرينكويو، لكن من المؤكد أن المدينة كانت ملاذًا للمسيحيين الأوائل الذين فروا من الاضطهاد الروماني في القرون الأولى للميلاد. كانت كابادوكيا إحدى أهم المناطق المسيحية في التاريخ، حيث عاش فيها العديد من القديسين المسيحيين وأصبحت مركزًا لتطور الفكر اللاهوتي.
فيما يتعلق بوجود الآشوريين المسيحيين في المنطقة، فقد كان للآشوريين، المعروفين أيضًا باسم السريان الشرقيين، وجود قديم في تركيا، وكانوا من أوائل الشعوب التي اعتنقت المسيحية. ومن أبرز الكنائس التي نشأت هناك:
1. كنيسة المشرق الآشورية: تأسست في القرون الأولى للميلاد، وهي إحدى أقدم الكنائس المسيحية في التاريخ.
2. الكنيسة السريانية الأرثوذكسية: عُرفت تاريخيًا باسم “يعاقبة سوريا وتركيا”، ولها وجود تاريخي في ماردين وديار بكر.
3. الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية: نشأت عن كنيسة المشرق لكنها انضمت إلى الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر.
كان المسيحيون في تلك المنطقة يتحدثون اللغة السريانية، وهي إحدى أقدم اللغات المسيحية، وكانوا يفرون إلى المدن تحت الأرض مثل ديرينكويو للحماية من الاضطهاد الفارسي والروماني والعثماني لاحقًا.
لغز البناء تحت الأرض
من المدهش كيف استطاع السكان القدماء حفر هذه المدينة العميقة دون الأدوات الحديثة. يعتقد بعض الباحثين أن ديرينكويو بُنيت لأول مرة في الألفية الثانية قبل الميلاد من قبل الحثيين أو الفريجيين، ثم استخدمها المسيحيون الأوائل لاحقًا كمخبأ آمن.
ديرينكويو اليوم
اليوم، تُعد ديرينكويو واحدة من أهم المواقع الأثرية في تركيا، حيث يزورها آلاف السياح سنويًا لاستكشاف أنفاقها العميقة ومشاهدة الكنائس المنحوتة التي استخدمها المسيحيون الأوائل.
الخاتمة
ديرينكويو ليست مجرد مدينة تحت الأرض، بل شاهد حي على اضطهاد المسيحيين الأوائل، وخاصة أتباع كنيسة المشرق والكنائس السريانية، الذين لجأوا إلى الأنفاق الصخرية طلبًا للأمان. ورغم الغموض الذي يحيط بأصولها، تبقى تحفة معمارية مذهلة تروي فصولًا من تاريخ المسيحية، حيث كان الإيمان بالمسيح يُحفظ في السر بين جدران الحجر وتحت الأرض.