X أغلق
X أغلق
الطقس
° - °
ترشيحا
° - °
معليا
° - °
بئر السبع
° - °
رام الله
° - °
عكا
° - °
يافا
° - °
القدس
° - °
حيفا
° - °
الناصرة
اسعار العملات
دولار امريكي
3.445
جنيه استرليني
4.1949
ين ياباني 100
2.5079
اليورو
3.6240
دولار استرالي
2.3021
دولار كندي
2.5184
كرون دينيماركي
0.4872
كرون نرويجي
0.3437
راوند افريقي
0.1994
كرون سويدي
0.3316
فرنك سويسري
3.6639
دينار اردني
4.8531
ليرة لبناني 10
0.0228
جنيه مصري
0.1398
اعلانات يد ثانية
تصفح مجلدات وكتب
الاستفتاء
مواقع صديقة

سائقان: ألمانيّ وبلديّ::ابراهيم طه

admin - 2025-10-26 15:01:05
facebook_link

اهلا

الكبسولة الخامسة والخمسون (55)
سائقان: ألمانيّ وبلديّ::ابراهيم طه
كنت قبل سنوات قد درّستُ فصلًا أكاديميًّا في جامعة هايدلبرغ، وهي من أجمل المدن الجامعيّة الألمانيّة وأعرقها. في اليوم الأول لوصولي إلى هايدلبرغ اشتريت بعض الخَضراوات والفاكهة من البلدة القديمة وعدت بالباص إلى مساكن الأساتذة الزائرين في قلب المستشفى الجامعيّ الشهير في الجهة الأخرى من نهر "نِكَر". فتح السائق الباب الخلفيّ، وضعت أغراضي على كرسيّ في آخر الباص، وتوجّهت إلى السائق لأدفع له أجرة السفر. لم يلتفت الرجل إليّ وقال كلمتين بالألمانيّة لم أفهم منهما شيئًا. اقتربت أكثر، وهو لا شكّ يراني بالمرآة، ومددت يدي وأنا أقول له بالإنجليزيّة "تفضّل يا حضرة السائق" لأُفهمه بأنّي غريب ولست ألمانيًّا. ولم يلتفت إليّ هذه المرّة أيضًا، كما لو كنت هباءً منثورًا. حاولت مرّة ثالثة، عندها رطن شيئًا فهمت من نبره أنه غاضب عليّ، وفرمل فرملة خفيفة ليُفهمني أمرًا غاب عنّي لجهلي بالعقليّة الألمانيّة. كانت الفرملة كافية حتّى تتدحرج رؤوس البصل وحبّات التفّاح، التي اشتريتها، من آخر الباص إلى كرسيّ السائق نفسه... في تلك الليلة نمت مفقوسَ المزاج. في صباح اليوم التالي ذهبت إلى الجامعة، وهناك التقيت ببعض الزميلات والزملاء وشكوت لهم استيائي ممّا حدث فضحكوا. ضحكوا وعلّموني درسًا عن العقليّة الألمانيّة "الصارمة" التي لا تُجيز للسائق أن ينشغل بأيّ أمر إلا بالسياقة نفسها. وقالوا إنّ لكلّ شيء أوانًا وموضعًا عندهم. فالسائق لن يأخذ منّي أجرة السفر إلا حين يقف الباص في المحطّة حتّى لو صوّبت مسدّسًا إلى رأسه... "فُر كثير بتشوف كثير!"
انتهت مهمّتي في هايدلبرغ بعد أشهر وعدت إلى البلد قبيل المساء. كان الشارع المركزيّ مكتظًّا كعادته. ولماذا "مكتظًّا كعادته"؟! قد يكون واحدًا من السائقين الشباب يقوم بدوريّته اليوميّة في الشارع غير مدرك أنّ صفّ السيّارات وراءه قد طال وصوت "الزمامير" قد علا وأسمع من به صمم. هكذا قدّرت وهذا ما تبيّن فيما بعد. وحتى يفرجها هذا الشابّ علينا رحت أتذكّر ما حدث لي مع السائق الألمانيّ المجرّب واستغربت ضعف القدرة الألمانيّة ومحدوديّتها على اتقان مهامّ عديدة في الوقت نفسه، لدرجة أنه لم يكن قادرًا على أن يمدّ يده ليأخذ أجرة السفر لشدّة تركيزه في فعل السياقة! والسائق عندنا، حتى لو كان شابًّا غِرًّا، يتقن على أقلّ تقدير خمس مهامّ كبرى في سفرة واحدة وهو يسوق: (1) يلهو مع ابن شقيقه، ابن السنتين، ويفرّج عنه كربته في جولة بالسيّارة. فالطفل ممغوص، والمغص لا يفكّه إلا مشوار بالسيّارة فوق المطبّات، (2) يتحدّث بالهاتف، والهاتف ينقل إليه أخبار صديقته وهو متبتّل سابط سائخ خلف المقود، (3) يُطرب أهل البلد كلّها بموسيقى عبريّة صاخبة تنبعث من مسجّل جديد ركّبه في السيّارة لهذا الغرض، (4) يمازح صديقًا التقى به صدفة، مثله تمامًا يتبختر بسيّارته في الشارع المركزيّ، (5) ثمّ في الأخير يُعرّض سيّارته في منتصف الشارع تقريبًا ليشتري "ربطة خبز" من المخبز، مثلما أوصته أمّه، وهو يعلم أنّ أحدًا لن يسأله السؤال!
الحقيقة أنّ ذاك السائق الألمانيّ قد دحرج رؤوس البصل وحبّات التفّاح التي ابتعتها وأحرجني وعكّر مزاجي وأثار حفيظتي ببلادته. أمّا هذا السائق البلديّ فقد علّمني الصبر وطول البال وكظم الغيظ. وهذه وحدها تكفي حتّى أدخل الجنّة! فأيّ السائقين أفضل؟!



مواضيع متعلقة
اضف تعقيب

اسم المعلق : *
البلد :
البريد الالكتروني :
عنوان التعليق : *
التعليق الكامل :
تعقيبات الزوار
مواقع اخبار عبرية
مواقع اخبارية عربية
مواقع اقتصادية
مواقع رياضة
بنوك
راديو