
















اهلا إسرائيل على مفترق طرق:
لجنة التحقيق مع نتنياهو قد تُعيد رسم الخريطة السياسي
أمير مخول، مركز تقدم للسياسات
تقديم: تظاهر الآلاف من الإسرائيليين مساء السبت 15/11 في مواقع عديدة للمطالبة بتعيين لجنة تحقيق رسمية في إخفاق السابع من أكتوبر 2023. ووفقاً للخطابات ورسائل المظاهرات، فإن إقامة لجنة التحقيق الرسمية المستقلة تمثّل مسؤولية أخلاقية تجاه من انهارت عوالمهم، وتجاه من قد يفقدون حياتهم في حال لم تُقَم لجنة تحقيق ولم تُستخلص الاستنتاجات وتُحاسَب الجهات المسؤولة. وقد تحدث في المظاهرات شخصيات بارزة وقيادية في مجالات الأمن والقضاء والثقافة.
بدوره لا يزال نتنياهو يتمسّك بموقفه القائل إن الحرب لم تنتهِ بعد، ويفضّل، حين يكون الظرف مواتياً، إقامة لجنة تحقيق حكومية، أي تخضع في صلاحياتها للحكومة وليس للقانون بشكل مستقل عن رغبة الحكومة.
في القراءة:
- تُعتبر مظاهرات السبت 15 تشرين الثاني/نوفمبر الحراك الأول من نوعه والمتمحور حصرياً حول المطالبة بلجنة تحقيق، ولتشكل أجندة جديدة في الساحة السياسية والشعبية الإسرائيلية. لقد جرت مطالبات بتشكيل لجنة تحقيق منذ أكتوبر 2023، إلا أنّ هذه المطالبات كانت على هامش المطلب الأساسي بإعادة الأسرى والمحتجزين في غزة، الذي شكّل الأولوية الأولى التي لا يضاهيها هدف أو غاية.
- تشكل المطالبة بلجنة تحقيق رسمية مستقلة في إخفاق 7 أكتوبر 2023 التهديد الجوهري الأهم لاستمرار حكم نتنياهو وائتلافه. وبخلاف الانطباع بأن مصدر القلق الأول هو محاكمة رئيس الوزراء في ملفات الفساد وسوء الأمانة والتي تنظر المحكمة فيها فقط من خلال الأدلة وصعوبة تثبيتها، فإن لجنة التحقيق الرسمية تمتلك صلاحيات التوصية بعزل رئيس وزراء أو أي مسؤول، والتوصية بتقديم لائحة اتهام ضده، وفرض عقوبات أو توصيات قد تشمل عدم صلاحيته لمواصلة الحكم.
- يفيد الاستطلاع الأسبوعي بتاريخ 14 تشرين الثاني، والذي نشرته صحيفة معاريف، بأن 67% من الجمهور الإسرائيلي يؤيدون إقامة لجنة تحقيق رسمية يعيّنها رئيس المحكمة العليا، وهو ما تُقاطعه الحكومة مقابل 23% يعارضون. أما اللافت فهو أن 34% من جمهور اليمين، من مؤيدي الائتلاف الحاكم، يؤيدون لجنة تحقيق مقابل 50% يعارضون. ويسود الانطباع بأن معظم جمهور اليمين الداعم للجنة التحقيق هم من أنصار الليكود الحاكم، وليس من أنصار الصهيونية الدينية (حزبا سموتريتش وبن غفير) الذين يعارضون بشدة إقامة لجنة تحقيق، فيما تبدو الأحزاب الحريدية أقل اكتراثاً بالموضوع. هذا يعني أنّ نحو 40% من أنصار الليكود يؤيدون إقامة اللجنة، وهو ما يضاعف قلق نتنياهو.
التجاذبات الحزبية في مسألة التحقيق:
يخطط نتنياهو بشكل حثيث للبقاء في السلطة، ويقوم ذلك على ضمان بقائه “الأكثر ملاءمة” لمنصب رئيس الحكومة مقارنة بأي سياسي إسرائيلي آخر وبفارق كبير. كما تجاوز، إلى حدّ كبير، معظم إسقاطات 7 أكتوبر التي كانت تهدد بإسقاطه. وبخلاف فترات سابقة، بات مدعوماً من الإدارة الأميركية، وهي الأكثر تدخلاً في الشأن الإسرائيلي الداخلي. ويأتي موقف إدارة ترامب بناءً على قناعة بأن نتنياهو، بشخصه، هو الوحيد إسرائيلياً القادر على تنفيذ خطة ترامب، فيما تسعى واشنطن إلى تغيير ائتلاف نتنياهو والتخلص من حزبي الصهيونية الدينية والقوة اليهودية. وفي هذا السياق تندرج ضغوطات ترامب لإغلاق الملف الجنائي بحق نتنياهو، ما أربك المنظومات الإسرائيلية وأضعف منظومة القضاء ومصداقيتها في الرأي العام.
ومن أجل البقاء في الحكم، قام نتنياهو وحكومته بـ الانقلاب الدستوري الذي يوفر للسلطة التنفيذية أدوات تتيح له البقاء، بما في ذلك أدوات قصوى مثل تأجيل الانتخابات بحجة الوضع الأمني، والسيطرة على نتائجها مسبقاً عبر شطب الأحزاب العربية أو ترهيب الشارع الإسرائيلي. وتشير الاستطلاعات إلى أنه قد لا يكون بحاجة لهذه الأدوات، بل إلى الاعتماد على شعبيته الشخصية. وهو يفضّل انتخابات مضمونة النتائج، تتيح له إمّا الإبقاء على ائتلافه الحالي، أو—وهو المفضّل أميركياً—تغيير الائتلاف إلى ما هو أقرب إلى حكومة وحدة قومية مع المعارضة برئاسة نتنياهو. وتتمثل العقبة الجوهرية أمام الاحتمالين في تعيين لجنة تحقيق رسمية مستقلة عن الحكومة.
في المقابل ترى المعارضة أنّ المطالبة بلجنة التحقيق الرسمية مسألة مبدئية وقيمة من قيم الدولة وعقيدتها العسكرية والأمنية. غير أنّ هوية الدولة ومنظوماتها تشهد تغييراً عميقاً، وكذلك عقيدة الجيش والمنظومة الأمنية، وهو ما يصبّ في صالح نتنياهو وائتلافه وليس في صالح ما تصبو إليه المعارضة. كما ترى أحزاب المعارضة من اليمين–الوسط أن رفض تعيين لجنة التحقيق يندرج ضمن قرار الليكود وأقصى اليمين بإنهاء المنظومات التقليدية للدولة وإحداث تغيير لا رجعة فيه في الهوية العميقة للنظام السياسي. سياسياً، يعني رفض تشكيل اللجنة أن تظل المعارضة هامشية وغير قادرة على تغيير قواعد اللعبة.
أما داخل الليكود، فيسود الارتباك ويبدو الأمر مبعث قلق لرئيسه؛ إذ إن قطاعاً واسعاً من مؤيديه يدعم لجنة التحقيق، كما يشير الاستطلاع المذكور. وقد يؤدي عدم التعيين، في ظرف معيّن، إلى انتقال أوساط من هذا الجمهور إلى المعارضة، وتحديداً جناحها اليميني الدولاني ممثلاً بنفتالي بينيت، ما يعني شقاً داخل كتلة اليمين الحاكم. ووفقاً للتقديرات، فإن انزياح مقعد أو مقعدين من كتلة الليكود لصالح المعارضة قد يحسم النتيجة ويسقط نتنياهو.
كما يخشى نتنياهو من استدامة المظاهرات المطالِبة بالتحقيق، لما تحظى به من شرعية واسعة في الرأي العام الإسرائيلي. وقد تشكل استدامة هذا الحراك قوة محرّكة لا يستطيع تجاوزها. وفي هذه الحالة قد يبكر موعد الانتخابات، استباقاً لاحتمال صدور توصيات لجنة تحقيق قبل إعادة انتخابه، كما يخطط وفق حساباته.
في الخلاصة:
**تعيين لجنة تحقيق رسمية وفقاً للقانون ومن قبل رئيس المحكمة العليا قد ينسف احتمال استمرار حكم نتنياهو، ويدفع نحو تحميله مسؤوليات جوهرية تستدعي إجراءات قانونية.
المطالبة بلجنة تحقيق مستقلة تتفاعل في الرأي العام، وقد ينجح نتنياهو في إرجائها، لكن احتمالات نجاحه محدودة، وقد يرضخ لها في النهاية. وحتى لو نجح في المماطلة، فإن قوة هذا المطلب، بعد إعلان خطة ترامب وإنهاء الحرب، ستجعل منه محور المعركة الانتخابية القادمة للكنيست، ما يضعف نتنياهو وحكم أقصى اليمين.
**تزداد الاحتمالات بأن أقصى ما يمكن أن تفرزه الانتخابات القادمة هو حكومة وحدة قومية مع المعارضة ومن دون أقصى اليمين، وتكون برئاسة نتنياهو—ما لم تُفجِّر لجنة تحقيق رسمية هذا المسار.
**قد يكون الحراك الحالي المطالب بلجنة التحقيق مصيرياً، إذا نجح، وحصرياً في اتجاه “اللاعودة” إلى الحرب، وفي دفع إسرائيل إلى الانشغال بصراع داخلي مرير حول هوية الدولة ومنظوماتها. ولا يمكن تقدير ما إذا كان ذلك سيقود إلى صحوة سياسية نحو حل القضية الفلسطينية، أم إلى انغلاق أفق مطبق يؤجج الصراعات الداخلية والخارجية.