اهلا "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتملَ وهَنَ الضعفاء ولا نُرضي أنفسنا". ما أراد الرّسولُ بولس أن يُبيّنه هو أنّ في الكنيسة أُناسًا أقوياء بالمسيح وأُناسًا ضعفاء، فضيلتُهم قليلة. كلّنا معًا نؤلِّف جسد المسيح كالأعضاء في الجسم. في الجسم عضوٌ ضعيف وعضو قويّ، ولكن أعضاء الجسم تَقبَلُ بعضها بعضًا، فلا تفتخر العين على اليد ولا اليد على الرِجل، ولكن الأعضاء تتآزر معًا. هكذا بيننا نحن، يقول الرّسول، لا يرذل فينا أحد. وإذا وُجد بيننا ضعيف فلا نُبعده من الجماعة ولا نرتكب النّميمة بحقِّه لأنّ "مَن افتَخر فليفتخِر بالربّ" (كورنثوس الثانية ١٠ : ١٧).
...وأيًّا كان وضع المرء الاجتماعي أو الثّقافي فلا يحسب نفسه أقلّ من غيره أو يستزلِم لغيرِه. كلّ إنسان مساوٍ للإنسان الآخَر، فلا تحتقر أنتَ نفسَكَ، ولا تَجعَلْ نفسَكَ تابعًا للآخَرين. كلُّ إنسان ابن نفسِهِ وابن جهادِهِ وابن استمرارِهِ في الخير. أنتَ حرٌّ لأنّكَ ابنُ الله. اللهُ وحده فوقَكَ فلا تتبع أحدًا من البشر ولا فكرَ أحد.
ناقِشْ كلَّ فكرٍ، كلَّ رأيٍ، واتبع الحقَّ. ولا تتمسَّكْ برأيكَ إنْ ثبتَ لكَ أنّ رأيَكَ مغلوطٌ. تراجَع عن رأيكَ أمامَ الناس، هذه فضيلة كبيرة لأنَّ الحقيقةَ أفضل منكَ وأفضل مِن رأيكَ.
"بنفس واحدة وفمٍ واحد تمجّدون الله"، أي لتكن بينكم الآراءُ الإلهيّة الواحدة. الآراء الصّالحة فلتجمَعكُم. انتموا إلى فكْرِ المسيح. وليكن أخاكُم هذا الذي يقول قولَ المسيح.
و"ليتّخِذْ بعضُكم بعضًا كما اتّخَذَكُم المسيح"، اي فليتبنَّ كلٌّ منكُمُ الإنسانَ الآخَر وليعتبِر نفسه مدافعًا عن الضعيف، يلوذ بالضعيف ولا يلوذ بالقويّ، الضعيف المتروك وحده الذي ليس بوجيه ولا بقادر. الضعيف هو الذي يجب أن نتبنّاه وأن نحملَهُ على أكتافِنا كما حمل المسيحُ خرافَه جميعًا على كتفَيهِ.
فلنسِرْ هكذا برضَى الله، غير خائفين من أحد. لنمتنِع عنِ الشرِّ وعن شبْهِ كلِّ شرٍّ. لتكُن نفوسُنا حلوة أمام المسيح. لنستمرّ بالصبْر والفرح في تواضع، في لطفٍ بسبب الاحتضان الذي كُلِّفْنا به، مؤازرين الانتباه الدؤوب للآخَر أيًّا كان لأنّ الإخوةَ وجوهٌ تلفتنا إلى وجه الله.
سرّ الخفاء والخدمة المتواصلة هو سرُّ إيمانِنا. هكذا نكشِفُ للآخَرِ جانبًا من جوانبِ الله. هكذا نتدرّبُ معًا على أن نكون مجتمع أناسٍ راجينَ، مجتمعًا مُطلًّا على الآخَر، بإشرافِ المسيح، بضيائِه، عارفين ان قيَمَ الإنجيلِ أبديّةٌ، موقنينَ بأنّ الإنجيل منتصرٌ في أرواحِنا، وانّه هو الذي يَحملنا، بلا قوّة، بلا عنف، في وداعةٍ وحنانٍ ولطفٍ في المسيح يسوع