اهلا محطات التيه الإسرائيلي كما ترويها التوراة وترسمها الجغرافيا
كتب الكاهن حسني السامري
لكي يتسنى لنا تحديد مسيرة التيه الاسرائيلي في شبه جزيرة سيناء والوقوف على حقيقة هذه المسيرة، ووضع حداً لكل من شكك ولا زال يشكك في وقوعها وواقعيتها، لا بد من التعمق في البحث والتمحيص والدراسة الدقيقة لكيفية حدوثها.
ودونت التوراة جميع مخارجهم برحلاتهم، كما كتبها موسى الرسول حسب قول الله: "ارتحلوا من رعمسيس في الشهر الأول، في اليوم الخامس عشر من الشهر الأول، في غد الفسح" (عدد 33: 1-2)
كان الخروج من مصر بقوة إلهية عظيمة، حيث حررهم الله من العبودية، بهدف إيصال الشعب الاسرائيلي الى الأراضي الكنعانية، كما حلف الله لهم ولآبائهم بأن يعطيهم هذه الأراضي، لعبادته والسير في دربه، ملتزمين بأوامره ونواهيه.
خرج شعب بني اسرائيل من المحطة الأولى רעמסס رعمسيس، وبحسب الجمتريا فإن القيمة العددية لهذا الاسم تساوي 430 سنة، وهي تعادل سنوات الغربة التي عاشها شعب بني اسرائيل، منذ خروج ابراهيم عليه السلام من حاران الواقعة على الحدود العراقية السورية وحتى نزول يعقوب الى مصر وهي 215 سنة، وكذلك سنوات مكوث الشعب الاسرائيلي في مصر وهي 215 سنة أخرى، وهذا يناقض ما يذهب إليه اليهود باعتقادهم أن فترة مكوث هذا الشعب في مصر كانت وحدها 430 سنة.
وكما أشرت سابقاً، فإنهم حينما رحلوا من رعمسيس وأتو الى المحطة الثانية "سكوت" جاء في الشريعة المقدسة قولها: "ولم يهدهم الله في طريق أرض الفلسطينيين مع أنها قريبة، لأن الله قال لئلا يندم العب إذا رأوا حرباً ويرجعوا الى مصر، فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف. (خروج 13: 17 -18)
المسافة من رعمسيس الى سكوت وهي المنطقة الساحلية، كانت الطريق الأقصر الى الأراضي الكنعانية، لكن الله أدارهم الى محطة أخرى تسمى אתם "آتــم"، أي أن وجهتهم بدلاً من أن تكون الى الغرب، صارت نحو الشرق، عند الحدود المصرية السينائية.
هذا الاسم "آتم" مركب من مقطعين את – ם المقطع الأول يعني "ال" التعريف، والمقطع الثاني حرف الميم ם وقيمته العددية 40 ما يدل على ان عودتهم هذه، ستؤدي الى تيههم في الصحراء والذي استمر أربعين سنة.
وهناك تفسير آخر لهذه المحطة الثالثة التي نزل فيها الشعب الاسرائيلي، حيث أن اسم آتــم אתם اسم مركب من مقطعين أيضاً: حرف الألف وهو اول الحروف الأبجدية العبرية، ويعني ابتداء، والثاني "تــم" تعني بالعبرية نهاية، هنا أراد الله أن يخبرنا أن نهاية فرعون مصر وجيشة قد ابتدأت من هذا الموقع.
كان رجوعهم هذا من أجل اصطحاب رفات يوسف من مصر، وعندها اعتقد المصريون ان الشعب الاسرائيلي مرتبك في الأرض، فطلبوا من فرعون أن يسمح لهم بملاحقتهم والانتقام منهم، بإرجاعهم عبيداً من جديد.
وقد كتب العلامة وفريد عصره "المارقه" الذي عاش في الخليل قبل 1700 سنة، يقول: "كان المُخطط لهذه المسيرة هو رب العالمين، الذي طلب من موسى أن يرجعوا وينزلوا أمام فم الحيروت، التي تقع بين مجدل والبحر الأحمر، امام بعل صفون، من أجل أن ينتقم من فرعون وشعبه، وحتى يجعل قلب فرعون قاسياً ويلحق بهذا الشعب ثانية، أخبره المصريون أن الشعب الاسرائيلي مرتبك في الأرض، وبعد أن لام المصريون أنفسهم كيف سمحوا لهذا الشعب أن يتحرر من عبوديتهم".
موقع منزلة فم الحيروت واضح جغرافياً ومعروف اسمياً، يقع عند الذراع الغربي للبحر الأحمر المعروف بخليح السويس، يحتضن شبه جزيرة سيناء من الناحية الغربية، ومن الطرف الشمالي لهذا الذراع يُلاحظ أنه يشبه جسم الحوت، وفي مقدمته فم واضح المعالم والصورة، من هنا جاءت تسمية "فم الحيروت".
هذه المحطة لا تشير إلى مكان بري بل بحري، وحيروت كلمة عبرية، ومن المعتقد أن اسم الحيوان البحري بالعربية "حوت" مشتق او محرف من هذا الاسم العبري، ومن الجدير بالذكر أن هناك بحيرة الى الجهة الشمالية من هذا الموقع تسمى بحيرة التمساح (الحوت) فلا غرابة لإطلاق مثل هذا الاسم على هذا الموقع.
ومن الجدير بالذكر أن الموقعين "آتــم" و"فم الحيروت" يقعان على خط موازي للحدود المصرية السينائية، ما بين البحيرات المرة وخليج السويس على ساحل البحر الأحمر الغربي للذراع المصري.
وينحصر موقع فم الحيروت ما بين بعل صفون التي تقع على الشاطئ الغربي من خليج السويس، بين مجدل والتي تعني البرج، حيث جاء في الشريعة المقدسة قولها: "ثم ارتحلوا من آتــم ورجعوا الى فم الحيروت، التي قبالة بعل صفون ونزلوا أمام المجدل" (عدد 33: 7)
أضع تفاصيل المواقع هذه، أمام كل من الباحثين والكتاب والعلماء والمؤلفين وعلماء الآثار في العالم أجمع، ممن عجزوا عن تحديد محطات التيه الإسرائيلي، والمكان الذي غرق فيه فرعون وجيشه.
ومن خلال كتابي "التيه الاسرائيلي في شبه جزيرة سيناء"، كنت قد حددت المكان والزمان والتاريخ، وفسرت أسماء المواقع والقيم العددية الخاصة بها "الجمتريا"، من أجل تبيان نهاية فرعون مصر وجيشه حين غرقوا في البحر الأحمر، عند موقع فم الحيروت والمعروف عند المصريين باسم "فم التمساح".
(يتبــع الجزء الحادي عشر)