اهلا يوم تَحرر الشعب الإسرائيلي وغرِق فرعون
كتب الكاهن حسني السامري
عند موقع منزلة فم الحيروت والمعروف حاليا بـ "فم التمساح" في مصر، وقعت إحدى أعظم مشاهد التاريخ الديني والإنساني، ففي هذه المحطة اقترب فرعون مصر وجيشه ومركباته من شعب بني اسرائيل، الذين انتابهم الفزع ووجدوا أنفسهم في مأزق رهيب، لأن البحر أمامهم والعدو من خلفهم.
وفي غضون، ذلك قالوا لموسى: "أنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية"، لكن موسى طمأنهم وثبتهم، ووعدهم بخلاص إلهي لا مثيل له.
وما أن رفع موسى عصاه بيده، ومدها على البحر الأحمر، حتى أرسل الله ريحاً شرقية شديدة طوال الليل، وجعل البحر يابساً وانشق الماء، عندها دخل بنو اسرائيل في وسط البحر، وساروا على اليابسة، وكان الماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم.
شدد الله قلوب المصريين ليلحقوا بهم، فسعوا وراء الشعب الاسرائيلي، حتى يتمجد الله بفرعون وجيشه بكل مركباتهم وفرسانه الى وسط البحر، وهناك أزعج الله عسكر المصريين بعمودي النار والسحاب، وخلع بكر مركباتهم حتى ساقوها بثقل، وقال المصريون: "نهرب من اسرائيل لأن الله يقاتل المصريين عنهم".
وما أن صعد آخر انسان من شعب بني اسرائيل، وأصبح جميع الساعين وراء هذا الشعب من المصريين في وسط البحر، حتى مد موسى يده على البحر مع حلول الصبح، ليرجع الماء الى حالته الدائمة، فغمر المصريين ومركباتهم وفرسانهم ولم يبق منهم أحداً، فخلص الله الاسرائيليين من يد المصريين في ذلك اليوم، وبدد عنهم الخوف والعبودية.
أما تفسير اسم البحر الأحمر "يم سوف" ים סוף يحمل دلالة رمزية فكلمة "يم" تعني البحر و"سوف" تعني نهاية، حيث كانت نهاية فرعون مصر وجيشه في هذا البحر.
وعندما رأى الاسرائيليون هذا الفعل العظيم الذي صنعه الله بالمصريين، رنم موسى وبنو اسرائيل نشيدة البحر: "الله قوتي ونشيدي، وصار خلاصي، هذا إلهي فأمجده، إله أبي فارفعه، الله رجل الحرب، اللــه اسمه، مركبات فرعون وجيشه القاهما في البحر، فغرق أفضل جنوده المركبية في بحر سوف، تغطيهم اللجج، قد هبطوا في الأعماق كحجر، يمينك يا الله معتزة بالقدرة، يمينك يا الله تحطم العد". (خروج 15: 2-6)
بعد انشقاق ماء البحر الأحمر بمعجزة من عند رب العالمين، وعبور شعب بني اسرائيل بحر سوف، اصبحت مياه البحر سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم، حتى وصلوا الى بر الأمان على شاطئ البحر الأحمر الغربي لخليج السويس، ما يعني ان الله حمل شعبه مثلماً يحمل النسر صغاره.
هنا تجلت عظمة الخالق وقدرته، لكي يظهر لفرعون مصر الذي نصّب نفسه آلهـة على الأرض زوراً وبهتاناً وللعالم أجمع، انه وحده القادر على كل شيء وليس أحد سواه. من أجل هذا سمح لفرعون مصر ومركباته وفرسانه باللحاق بعسكر شعب اسرائيل داخل البحر، ساعين وراءهم الى وسط البحر.
وأدركت الشعوب القاطنة في الأراضي المقدسة والمجاورة، أن وجهة اسرائيل هي تلك الأراضي الكنعانية التي وهبها الله ميراثاً لأبناء شعب بني اسرائيل الموعود بها، حينئذٍ ارتعد سكان فلسطين واندهش امراء أدوم، واخذت الرجفة اقوياء مؤاب، واصابت سكان كنعان الهيبة والرعب.
أراد الله أن يوضح لشعبه هنا، أن الحياة ليست مجرد أكل وشرب، بل هي دين ودنيا، أوامر ونواهي، أخذ وعطاء، حلاوة ومرارة، مرض وشفاء، فعندما تأخذ بيدك اليمنى عليك أن تعطي بيدك اليسرى، فقد منح الله الشعب الاسرائيلي ما لم يمنحه لأي شعب آخر من شعوب الأرض قاطبة، فقد وهبه الحرية بعد أن كانوا عبيداً للمصريين، لكن وبامتحان بسيط تجاهلوا آياته ومعجزاته، ولم يحفظوا فرائضه ووصاياه، فلم يكن منهم سوى التذمر والتمرد والصراخ، من اجل هذا فإن الامراض لن تبتعد عنهم، وسيكون مصيرهم كسائر الشعوب في حيرة من أمرهم وفي خوف دائم وعذاب واضطراب.
على أثر خروجهم من مصر ووصولهم الى "قادش برنع" بسنة نصف السنة، بلغت مخالفاتهم العشرة، بعد أن أرسل موسى الرسول رواد التجسس الى الأراضي الكنعانية، وبعد عودتهم من تجسسهم هذا القوا الرعب في قلوب شعب بني اسرائيل، من قوة وشدة بأس الكنعانيين، مما أفقدهم رباطة جأشهم، وجعلهم يطلبون من موسى العودة الى مصر، هنا حكم الله على هذا الشعب بتيههم اربعين سنة قائلاً: "ابناءكم يكونون رعاة في القفر أربعين سنة، يحملون فجوركم حتى تفنى جثثكم في القفر". (عدد 14: 22)
(يتبع الجزء الثاني عشر)